كان الشيخ أطفيش يعلم في منزله أيضا. فلم يبن معهدا خاصا ولا مدرسة على الطراز القديم (كما كان يعلم في الجامع ببني يسقن أو في بونورة أيام إقامته الطويلة بها)، وكان للشيخ في بني يسقن ثلاثة منازل، خصص كل واحد منها لمهمة، ومنها منزل حوله إلى معهد، وبه عرف. وقد ورد عليه التلاميذ من مختلف أنحاء ميزاب ومن غيرها خارج الجزائر حيث الإباضية، مثل جربة ونفوسة وعمان وزنجبار. ومن الطبيعي أن يراقب الفرنسيون هذا النشاط غير العادي في المنطقة وأن لا يرتاحوا إليه. وقد عرفنا أنهم طالما قبضوا على أناس في آخر القرن الماضي بدعوى أنهم جاؤوا لشراء الإبل أو السياحة وردوهم على أعقابهم. لقد اشتهر الشيخ أطفيش كمدرس ومصلح ومؤلف. فزاد ذلك من تلاميذه ومن خوف الفرنسيين من تأثيره. وقد لقبه تلاميذه وأنصاره بالقطب بل قطب الأيمة.
ومن شروط قبول التلميذ في هذا المعهد حفظ القرآن الكريم، وقد جعله شرطا لا تحويل عنه. فالقرآن هو أساس كل العلوم الدينية واللغوية. يضاف إلى ذلك حفظ المتون الضرورية والاستقامة في السيرة والسلوك. وقسم التلاميذ إلى طبقات. وهو تقليد اتبعه القدماء وحتى بعض المعاصرين في الزوايا التعليمية، كما عرفنا، الأولى طبقة المبتدئين، والثانية طبقة المتوسطين. وكان يدرس لتلاميذ الطبقة الأولى المواد الآتية وهي متطابقة مع المواد المدروسة في الزوايا والمساجد الأخرى في القطر عدا كتب العقيدة والفقه. فالنحو على الأجرومية، والحديث والشعر والأدبيات والأخلاق والتربية. وفي العقائد عقيدة التوحيد للجيطالي أو عقيدة العزابة للشيخ عمر بن جميع. وفي الفقه رائية الشيخ ابن النظر، أما الطبقة الثانية فيدرسون القطر لابن هشام والحديث والأشعار والأدب ونحو ذلك، إضافة إلى نونية أبي النصر بن نوح في التوحيد. وأخيرا تأتي الطبقة الثالثة وهي كبار التلاميذ الذين كان عليهم أن يحفظوا ويتعلموا ألفية ابن مالك في النحو والصرف، والسمرقندية في البلاغة وأرجوزة في العروض، وكذلك الشعر والحديث