للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائريين، أغلقوا حتى هذه المدارس. فقد اغتنموا فرصة ثورة ١٨٧١ في الجزائر، وفرصة تغيير نظام الحكم والحماس للنظام الجمهوري والاستعمار والامبريالية في فرنسا، فقضى الحاكم العام الجديد، الأميرال ديقيدون، لإغلاق المدارس العربية - الفرنسية، وقطع ميزانيتها، عقابا، في نظره، لأبناء العائلات التي ثارت رغم إنعام فرنسا عليها. ثم إن الجمهورية الجديدة كانت متحمسة جدا للفرنسة والاندماج (١)، وكل مؤسسة فيها اسم العربية أو الإسلام تعتبر في نظرها مؤسسة عدوة. ولذلك صدر الحكم بإعدامها.

والواقع أن فترة ١٨٧٠ - ١٨٩٢ تعتبر فترة ظلام أخرى في ميدان التعليم. ولا نعني أن ما سبقها كان فترة تنوير، ولكن على الأقل كانت فيها محاولات محدودة باستخدام وسائل معينة لدمج الأهالي في المنظومة الفرنسية التربوية تحت مظلة المملكة العربية التي تبناها نابليون الثالث. أما مسؤولو الفترة الثالثة فهم في الوقت الذي قضوا فيه على تجربة المدارس العربية - الفرنسية لم ينشئوا البديل لها، بل ازدادوا عتوا وطغيانا، فقطعوا المدد عن المدرسة الموجهة للأهالي مهما كانت، وفرضوا الضرائب الإضافية على السكان وغرائم الحرب الباهظة، وصادروا الأراضي من جديد وأعطوها لمهاجري الألزاس واللورين، وسنوا قانون الأهالي (الأندجينا)، وضربوا عرض الحائط بكل شكاوى الجزائريين من الظلم الذي أصابهم في كل الميادين، ولا سيما ميدان القضاء الإسلامي والتعليم العربي. وهكذا فمن بين ثلاثة ملايين جزائري سنة ١٨٨٠ لا يتردد على المدارس الابتدائية التي يديرها الفرنسيون سوى ٢.٨١٤ تلميذ من البنين و ٣٥٨ من البنات. وبدل أن تزيد المدارس نقصت، فلم يكن منها سنة ١٨٨٢ سوى ست عشرة (البعض يقول ١٣ فقط) مدرسة في القطر كله، ولولا اعتماد الجزائريين على أنفسهم وانطلاق التعليم في الزوايا ونحوها لدخلت الجزائر عصر الكهوف.


(١) المقصود هنا دمج المؤسسات والمصالح التي تهم الكولون (المستوطنين) مع مثيلاتها بفرنسا، وليس دمج الجزائريين في فرنسا، وهو أمر كان يعارضه الكولون.

<<  <  ج: ص:  >  >>