للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الكاتب إن المعلم الفرنسي البعيد في الواحات والمناطق النائية لا يتعب نفسه من أجل أولاد يعرف مسبقا أنهم لن يستفيدوا من جهده. فالأولاد لا يبقون أكثر من سن ١٣ أو ١٤، وهم ينسون بعد خروجهم كل ما قرأوا إلا القراءة والكتابة. وأولياؤهم لا ينكرون فائدة تعليمهم، ولكنهم يستفيدون منهم أكثر إذا خرجوا من المدرسة أو بقوا إلى جانبهم من البداية. ثم إن بعض الأعيان كان يدفع عن أبنائه حتى المنح الدراسية في الثانويات الفرنسية، ولكن بعد تخرجهم وعودتهم إلى أهلهم يجدون أنفسهم لا يختلفون عن أخوتهم الذين اكتفوا بقراءة القرآن والتعليم التقليدي، ولم يضيفوا جديدا سوى العيوب الأوروبية. وقد لاحظ هذا الكاتب أيضا كثرة المتكلمين بالفرنسية من العرب الجزائريين، بينما في الهند فالبريطانيون الرسميون هم الذين يتعلمون الأردية ليتصلوا عن طريقها بالسكان. وأما في الجزائر فالعرب هم الذين عليهم أن يتعلموا الفرنسية ليتصلوا بالفرنسيين. وإذا كان التلميذ المتخرج من المدرسة الابتدائية على درجة طيبة من الذكاء فأمامه مدرسة ترشيح المعلمين (النورمال) وهو يدخلها مجانا ليصبح بعد التخرج منها معلما في المدارس الفرنسية (١).

إلى هنا نكون قد أتينا على المراحل الأربع التي وعدنا بها بالنسبة للتعليم العربي/ الفرنسي الابتدائي للجزائريين. وقد رأينا أن المرحلة الأولى قد تميزت بالإهمال من جانب الفرسيين والانشغال بالاحتلال والحرب والاستيلاء على الأوقاف والأرض. كما كان الجزائريون خلالها يقاومون النفوذ الفرنسي المتمثل في الغزو بشتى أشكاله، ومنه الغزو عن طريق المدرسة. وكان الجزائريون يأملون في جلاء فرنسا عن بلادهم، وتغلب حركة الأمير عبد القادر. ومنذ انتهاء هذه المقاومة ونضوب معين العلم وإطلاق إشارات الخطر من كتاب أمثال دي طوكفيل وقادة أمثال الجنرال بيدو، تكونت لجنة لدارسة الوضع التعليمي وخرجت ببرنامج يتبنى التعليم


(١) هذه الملاحظات أبداها بودلي R.V.C.Bodley (الجزائر من الداخل)، لندن، ١٩٢٧، فصل التعليم العربي. وهو يتفق في بعض ملاحظاته مع بعض الفرنسيين أنفسهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>