للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استمرار التهديد الأجنبي قد طبعا الحكم العثماني، على طوله، بالخوف الدائم من الخارج والاستبداد المطلق في الداخل. وكان لهذا وذاك أثره على حياة الثقافية، كما سنرى. فرغم تصفية الوجود الإسباني من مدينة الجزائر وجيجل وبجاية وعنابة ومستغانم ودلس فإنه ظل قائما في وهران والمرسى الكبير وكان وجوده مصدر قلق مستمر للسلطة والسكان. ويمكن القول إنه كان مصدر تحالف بينهم أيضا لأنه كان خطرا على كلا الطرفين. وهناك حروب كثيرة دارت بين الحكام العثمانيين والإسبان من أجل استرداد وهران ونحوها من بقايا الجيوب الإسبانية. ومن أهم ما نجح فيه العثمانيون إخراجهم الإسبان من وهران سنة ١١١٩ (١٧٠٨) ثم إخراجهم نهائيا. منها سنة ١٢٠٥ (١٧٩١ م). إن هذا النزاع المستمر بين الجزائريين والإسبان قد أدى إلى إنتاج أدبي غزير كما لعب فيه الدين والتصوف والدروشة دورا رئيسيا (١).

أما الاستبداد فقد أدى بدوره إلى العنف في الحكم. ولعله هو أبرز سمات المظهر العسكري للوجود العثماني في الجزائر. فسواء نظرنا إلى شكل الحكم نفسه أو إلى علاقته بالسكان أو إلى الأحكام الصادرة عنه فإن ظاهرة العنف كانت هي البارزة في كل ذلك. وكان الحكام في البداية يأتون من إسطانبول (٢) رفقة القاضي الحنفي وقضاة العسكر، وكانت مدة ولايتهم ثلاث سنوات غالبا، ثم يأتي من يخلفهم، وهكذا. وكان هؤلاء الباشوات (المبعوثون من السلطان) هم أهل الحل والعقد، بينما الوجق يسمع ويطيع.


(١) من ذلك ما يعرف بشعر الاستصراخ وكتاب (التحفة المرضية) والمدائح التي قيلت في محمد بكداش باشا، ثم الكتب التي ألفت في محمد الكبير، باي الغرب مثل (الثغر الجماني) و (الرحلة القمرية) وتأليف أحمد بن هطال و (عجائب الأسفار) لأبي راس. وكل هذه الكتب ستدرس في مكانها. كما لعب العلماء والمرابطون أيضا دورا في ذلك سنعرض إليه في حينه.
(٢) كان منصب باشا الجزائر يشترى بالمال في إسطانبول ويأتي صاحبه أصلا لمدة سنة ولكنها كانت تمدد إلى ثلاث أو أربع سنوات, ولذلك كان طابع الحكم هو الاستغلال أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>