للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استمر هذا الوضع إلى حوالي منتصف القرن الحادي عشر (١٧ م) حين تمرد الوجق على الباشوات وطلبوا من السلطان أن يكون الحكم الحقيقي في أيديهم هم (الوجق)، أما الباشوات فيبقى لهم وجود رمزي فقط باعتبارهم ممثلين سامين للسلطان. ولكن هذا الحكم (الثنائي) لم يطل أيضا. ففي أواخر القرن المذكور انتصر العنف من جديد حين ثار الرياس (أو البحارة) وأعادوا الباشا من حيث أتى واستقلوا هم بالحكم العسكري المطلق وعينوا منهم (الداي) أو العم، حسب التقاليد العثمانية القديمة، وأصبح هو الحاكم المستبد والباشا أيضا، باعتباره الممثل الشرعي للسلطان. وقد رضي السلطان بهذا الوضع مكرها، فكان يكتفي بإصدار (الفرمان) لتثبيت اختيار الوجق في الجزائر، ولكن الدايات الذين تداولوا على الجزائر من أواخر القرن الحادي عشر إلى أوائل القرن الثالث عشر (أي إلى احتلال الجزائر سنة ١٢٤٦) لم يكونوا جميعا من طائفة الرياس. فقد كان منهم من صعد إلى الحكم دون أن يكون من أهل البحر بالمهنة مثل حسين خوجة الشريف ومحمد بكداش اللذين كانا من أهل الإدارة، ومثل حسين باشا الذي كان قبل توليته، خوجة الخيل. ولكن مهما كان أصل ممثل الحكم المذكور في الجزائر، من أهل البر أو البحر، فإن النظام السياسي العام كان نظاما جمهوريا عسكريا مغلقا. فهو جمهوري لأن منصب الحاكم انتخابي وليس وراثيا، وهو عسكري لأن الحاكم كان من العسكريين، وهو مغلق لأنه نظام لا يسمح فيه إلا للوجق بممارسة السلطة. ولكن انتقال السلطة من حاكم إلى آخر كان يتم بالعنف الشديد وأحيانا بوحشية قليلة النظير.

وظاهرة الانغلاق في هذا النظام تستحق بعض التركيز هنا. ذلك أن حكام الجزائر العثمانيين كانوا من خارج البلاد ولم يكن من بينهم من ولد في الجزائر أو تربى بين أهلها أو تعلم لغة أهل البلاد وعاداتهم وأخلاقهم خلافا لمماليك مصر مثل (١). وكانت وظيفة الوجق تقتضي منهم أن يظلوا عزابا


(١) مما يذكر أن حسن باشا بن خير الدين كان من أم جزائرية وقد تولى الحكم ثلاث مرات، وكان يعرف عدة لغات منها العربية وكان محبوبا بين السكان. وقد تزوج =

<<  <  ج: ص:  >  >>