العثماني، وهذا العامل ما زال لم يحظ باهتمام المؤرخين بعد.
أما العامل الثالث (المسيحي واليهودي) فهو لا يرقى في الأهمية إلى العاملين الآخرين (الأندلسي والعثماني) ولكنه جدير بالذكر. فالجزائر العثمانية قد شهدت نشاطا أوروبيا بحريا كبيرا على سواحلها وفي مدنها الرئيسية. فكان ذلك النزاع البحري الطويل الذي استغرق أجيالا. والحرب عامل تأثير، رغم سلبيتها، لأنها وسيلة اتصال وتعارف. فعن طريق الحرب عرف الجزائريون (بني الأصفر) أو الروم كما كانوا يسمون أحيانا، وتبادلوا معهم التجارب والمهارات العسكرية كالصنائع البحرية وبناء السفن وطرق معرفة البحر وحماية المراسي وتحصينها، وغير ذلك.
وهناك صنف آخر من الأوروبيين عرفهم المجتمع الجزائري عندئذ، وهم التجار. وكان لهؤلاء محاكم ومستشفيات وكنائس وفنادق ومخازن وعملات يتعاملون بها وبضائع يتاجرون بها. وملابس يظهرون بها ولغة يتخاطبون بها مع السكان وعمال من الجزائريين يعملون عندهم في بيوتهم وإداراتهم. ونفس الشيء يقال عن القناصل الذين كان لهم أيضا عمال جزائريون كتراجمة مرافقين أو مقيمين معهم في أماكن العمل. وإلى هؤلاء وأولئك يمكننا أن نضيف الأسرى المسيحيين الذين كانوا أحيانا يقدرون بالآلاف، وفيهم النساء والأطفال وأصحاب المهارات والأدباء. وكان هؤلاء الأسرى يعملون، في انتظار فديتهم، في شتى أنواع العمل كالزراعة والبناء والنظافة والطب. وبعض هؤلاء الأسرى قد اعتنقوا الإسلام وأصبحوا أتراكا (عثمانيين) لغة وجنسية وارتقوا إلى مراكز النفوذ (١). وقد سجل هؤلاء
(١) إذا اعتنق الأوروبي الإسلام يصبح (تركيا) وهي الطريقة التي كان أتراك الجزائر يكثرون بها من عددهم. ويصبح المسلم الجديد جنديا له راتب ثابت ويقيد في سجل العسكر. وهو يعلن إسلامه أمام الباشا والديوان ويطاف به في الشوارع على جواد مسرج ومزين وتضرب له الموسيقى ويرافقه الجنود وتجمع له الدراهم. انظر بيتز (حقائق)، ١٤١. هذا عن المسلم الذي يختار الإسلام وحده. وهناك من كانوا يكرهون على الإسلام. وفي هذه الحالة لا يحتفل بهم ولكنهم يتمتعون بحقوق =