(١٨٤٣). وهربوه وهو صبي إلى فرنسا، وربوه على طريقتهم إلى أن أصبح ضابطا في الفرسان (الصبائحية). أما أخوه الشريف الزهار فقد تولى القضاء للفرنسيين سنوات طويلة، كما ستعرف، وهذا النوع من الأشراف هم الذين يعتبرهم (رين) غير خطرين لأنهم غير متآمرين ولا مغامرين.
وإذا كان فشل الثورات قد أدى إلى ظهور الشاعر الشعبي أو المداح، وظهور الطرق الصوفية المدجنة التي أصبحت أداة للإدارة الفرنسية في السيطرة على المواطنين، فإن هناك ظاهرة أخرى لجأ إليها التعبير الشعبي قبل عصر الأحزاب السياسية والمنظمات والنوادي، ونعني بها الدروشة والدراويش، والحقيقة أن هذه الظاهرة ليست غريبة على المجتمع، فقد عرفنا منها حتى في العهد العثماني النصيب الكبير، وإذا شئت فراجع كتاب عبد الكريم الفكون (منشور الهداية) ورحلة الحسين الورتلاني وغيرهما، إنما نعني بالدراويش هنا أولئك الذين جمعوا بين الدين والسياسة بالمستوى الشعبي، فهم في لحظة يائسة يدعون الكرامة بعدم اختراق الرصاص لأجسادهم، أو بعدم إصابتهم بالأمراض أو بأي سوء، وقد سبق القول إن العامة كانت لا تفرق بين الشريف والمرابط والدرويش، فكلهم مرابطون ما داموا يأتون بالكرامات والمعميات، وقد كان الفرنسيون يراقبونهم خشية أن يتحولوا إلى مهيجين للعامة، مستغلين الجهل والخرافة.
ولكن الفرنسيين كانوا يريدون في نفس الوقت الإبقاء على هذه السذاجة من الجميع، لأن الفطنة تترتب عليها الصحوة وطلب الحقوق، وهناك قصص لدراويش ظهروا خلال القرن الماضي ذكر منهم بعض الباحثين جملة، مثل سي علي بن الأخضر من قبيلة أولاد علي بن يحيى، دائرة تبسة، الذي ادعى سنة ١٨٦٦ أن السلاح لا يخترقه، فمات به في قصة مروية، ومثله سي أحمد القوري الصدراتي المتوفى سنة ١٩٠٠ الذي شفي بعد أن جرح، وبلقاسم بن الحاج سعيد (بوقشبية) الذي توفي سنة ١٩١٢، وكان بلقاسم هذا مقدما لإحدى الطرق قرب اليدوغ (عنابة). أما سيدي أبو التقى فقد اشتهر أمره ببرج بوعريريج سنة ١٨٣٦، وكان قد جاء من المغرب الأقصى، ودرس على