الثاني عشر (١٨ م) واستوطنوها مثل عائلتي بكري وبوشناق. وكان اليهود يشتغلون ببعض الصنائع الدقيقة والثمينة كالخياطة والصياغة واختبار جودة الذهب والفضة، بالإضافة إلى التجارة في الصرافة والدخان والعطارة ونحوها. وقد مرت عليهم عهود كانوا فيها مغمورين إلى حد ما ولكنهم في بعض العهود قد وصلوا إلى درجة كبيرة من النفوذ والجاه ولا سيما في آخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر. وكان منهم من يؤثر في الحياة السياسية الداخلية، وبطريق التجارة مع أوروبا أيضا حتى أن مدينة ليفورنيا كانت عبارة عن مدينة جزائرية لكثرة يهود الجزائر بها. وكانوا يحتكرون تصدير بعض البضائع. وبالإضافة إلى اختبار العملة الرسمية ودخولهم إلى خزينة الدولة كان منهم التراجمة بحكم معرفتهم للغات الأجنبية. وبهذه الوسائل الهامة كانوا يطلعون على أسرار الدولة ويصلون أيضا إلى تغيير بعض القرارات الحكومية. وكان لهم أصدقاء من أهل السلطة في أعلى المستويات. ورغم أنهم كانوا يعيشون كأهل ذمة لهم حدودهم الدينية والسياسية، فإنهم من الوجهة الاجتماعية والاقتصادية كانوا يلعبون دورا هاما في المجتمع الجزائري. ولم يكن تأثيرهم مقصورا على العاصمة بل تجاوزها إلى المدن الأخرى وخاصة قسنطينة (١).
٢ - ولكن ما ذكرناه لا يعدو أن يكون عوامل مؤثرة خارجية. فالمجتمع الجزائري ظل، مع ذلك محتفظا بقيمه العربية الإسلامية. حقا أن هذا
(١) ذكر نوا، وهو من يهود أمريكا، أن عددهم في مدينة قسنطينة كان حوالي خمسة آلاف (من مجموع ستين ألف نسمة) وكدلالة على نفوذهم السياسي والاقتصادي ذكر أن الداي قد عين إبراهيم بوشناق وزيرا له لدى بلاط فرنسا وناثان بكري قنصلا له في مرسيليا، وأخاه قنصلا له في ليفورنيا. كما كان الداي يستشيرهم في المسائل الخارجية. وكان يأخذ من المال اليهودي كلما احتاج إليه. وكان القناصل الأجانب يقترضون منهم أيضا عند الحاجة. انظر كتابه (رحلات)، ٣٦٨ - ٣٨٠) ٤٢٦. انظر أيضا (حياة ورسائل جول بارلو) لشارل بورتاد، ١١٥ - ١٥٠ ويذكر أراندا أن اليهود كانوا ينصبون طاولات في الشواع ويبدلون العملة وأنهم كانوا يربحون من ذلك أموالا كبيرة وأن ذلك قد شاع بينهم كما شاع بينهم غش العملة، صفحة ١٥٢.