للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفساد، بل إن الباشا نفسه كان يبقى في الحكم أو يخنق أو يعزل حسبما يوفره للجنود والضباط والأعوان من مال يأخذه هو بدوره من هنا ومن هناك. وقد قتل الباشا محمد بكداش سنة ١١٢٢ لأنه لم يجد مالا يدفعه للجنود بعد فرار باي قسنطينة إلى تونس بالأموال التي كان المفروض فيه أن يقدمها إلى الباشا (١). كما قتل معه في ذلك صهره أوزن حسن الذي كان قائد فتح وهران الأول. وفي سنة ١٠٥٢ وضع الباشا يوسف في السجن لأنه لم يستطع أن يدفع للجنود رواتبهم (٢). وكانت الحروب الداخلية أحيانا تعلن من أجل جمع المال. فكان الجندي البسيط يستغل المواطن الجزائري إلى أقصى الحدود، كما كان الباشا يستغل كبار الموظفين، بل ويأخذ الهدايا من القناصل الأجانب ودور اليهود التجارية. وقد سجل المؤرخ المغربي أبو القاسم الزياني في أوائل القرن الثالث عشر (على الحكام الترك والقضاة الشرعيين وسائر أهل النفوذ منهم أخذ الرشا، والجور في الحكم وإضاعة الحقوق) (٣). وسنعرف أكثر عن هذا الموضوع من الكتاب الجزائريين الذين اتهموا العثمانيين بأكل أموال الأوقاف وتجاوزهم الحدود الشرعية والأخلاقية (٤). وبعد عدة أجيال من الوجود العثماني في الجزائر ظهرت فئة جديدة من


(١) فايسات (روكاي) ١٨٦٨، ٢٨٧. وقد كان البايات يجمعون اموالا طائلة ويحتكرون التجارة في أقاليمهم. وهكذا كان حال مصطفى بوشلاغم وصالح باي ومحمد الكبير وأحمد باي.
(٢) ديلفان (المجلة الآسيوية)، ١٩٢٢.
(٣) عبد الله كنون (أبو القاسم الزياني)، ٣٥.
(٤) معظم الولاة العثمانيين في الجزائر كانوا من المغامرين أو من المرتدين عن المسيحية. أما الجنود فقد كان معظمهم من أناضوليا. وكان معظمهم أيضا مجهول الهوية جاء إلى الجزائر ينشد الملجأ والثروة والسلطة. وجاء في كتاب (التحفة المرضية) لابن ميمون، ١٤٥ أن الخليفة أوزن حسن، صهر محمد بكداش باشا، وقائد حملة فتح وهران، كان قبل زواجه من ابنة الباشا يكثر من شرب الخمر وكان حليس انحراف وبطالة حتى أنه (لا يغدو إلا ثملا) ثم تاب بعد الزواج. وقد قال ابن ميمون ذلك رغم أنه ألف الكتاب في مدح الباشا وصهره.

<<  <  ج: ص:  >  >>