للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمفتون) كانت تؤثر أحيانا في ميزان القوى. ولكن تأثيرها لا يصل إطلاقا إلى درجة الحكم نفسه. وقد كان الحرمان السياسي، بل الإبعاد المقصود عن السياسة، سببا في جعل هذه الفئة تتطلع إلى ساعة الخلاص من الحكم العثماني (١).

وتأتي أخيرا الفئة الرابعة وهي كل من لم نذكرهم سابقا. وإذا كان لكل مدينة عمالها فإن العاصمة خلال العهد العثماني كان لها عمال غير مقيمين أو فعليين. وقد كان هناك ثلاثة مصادر لتزويد العاصمة باليد العاملة: زواوة وبسكرة وميزاب. ويبدو أنه كان يدخل ضمن زواوة كل العمال القادمين من المنطقة الجبلية المجاورة لمدينة الجزائر، كما كان يدخل ضمن وصف البسكري كل من جاء من جهة الصحراء الشرقية وكان أسمر أو أسود البشرة سواء كان من أهل الزاب فعلا أو من أهل تقرت ووادي سوف وغيرهم، وأما وصف الميزابي فالمقصود بهم أتباع المذهب الإباضي (٢). ومهما كان الأمر فإن هؤلاء العمال كانوا يترددون على العاصمة ويعملون في دورها وفي مخابزها وحماماتها وموانيها ومصابغها ومدابغها، ونحو ذلك. وكان منهم أيضا من يعمل عند القناصلة الأجانب. ومعظم هؤلاء العمال كانوا يعودون بأموالهم إلى أهاليهم من وقت لآخر ويستثمرونها هناك في النخيل والزيتون ونحوه. وبالإضافة إلى هؤلاء هناك الزنوج الذين كانوا يعملون أجراء عند الدولة بعد أن حررهم مالكوهم. وكان عددهم يزداد أو ينخفض تبعا لحكم التجارة بين الجزائر وافريقيا (السودان في القديم). وقد تفرعت عن هؤلاء


(١) يجد المرء في كتابات الأوروبيين عندئذ وصفا صارخا لتذمر الجزائريين من الحكام العثمانيين. ويشهد على ذلك الثورات التي سنعرض إليها.
(٢) عن هجرة أهل ميزاب للعمل في العاصمة والمدن الأخرى خلال القرن الثاني عشر والثالث عشر انظر بحث السيد دونالد هولسنقر وهو بحث ألقاه في مؤتمر منظمة دراسات الشرق الأوسط بأمريكا، آن آربر، نوفمبر، ١٩٧٨. وكان للميزابيين مؤسسة خاصة بهم وعليها أمين منهم. وقد وجدت في الأرشيف العثماني عددا منهم يعملون في قطاعات تجارية هامة في العاصمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>