للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجهه وأخرجه من العيساوية إلى الدرقاوية، وكان يحضر بعض دروسه وأذكاره.

ومن جهة أخرى استفدنا من السيرة الذاتية أن الشيخ ابن عليوة تزوج أربع مرات، ولم ينجب أولادا، وأنه طلق الجميع لعدم الانسجام معهن، وقد تنازلت بعضهن عن المهر من أجل مفارقته، واعترف هو أن التقصير كان منه لأنه كان مشغولا بأمور أخرى، ونفهم أيضا أن والديه قد ضرباه خلال صباه، فضربه والده كما قال من أجل حفظ القرآن، وضربته أمه وشتمته لكي تمنعه من الخروج ليلا ومخالطة أصحاب الطرق، وقد توفي والده وهو ابن سبعة عشر عاما، وكان عليه أن يعمل في مختلف الأعمال كالخرازة والتجارة.

أما الهجرة فإن السيرة تكشف عنها بكل دقة، فقد كان الشيخ مثل عدد آخر من الجزائريين المعاصرين له، يفكر في الهجرة، ثم اتخذ لذلك أسبابا، فطلب الرخصة إلى الحج ومنحت له، وباع منزله وأثاثه وودع أهله، ولم تكن هجرته وحده، بل كان سيهاجر مع أبناء عمه، ولا ندري السبب لهذه الهجرة سوى ما ذكره هو، وهو قوله: (لفساد أخلاق الوطن). ولم يذكر أن من أسباب ذلك المناقشات الجارية حول التجنيد الإجباري، فبين ١٩٠٨ - ١٩١٢ كان الحديث جاريا حول هذا الموضوع، وبسببه هاجرت عائلات بأكملها إلى المشرق، وهكذا هاجر حمدان الونيسي والإبراهيمي، وعائلات من تلمسان، وأخرى من سطيف وبسكرة، وقد فكر ابن باديس في الهجرة أيضا، وفي سنة ١٩٠٩ هاجر أبناء عم ابن عليوة واستقروا بطرابلس، ولحق هو بهم، ولكنه عندما وصل إلى تونس سمع أن فرنسا قد ألغت رخصة الحج للجميع ومنعت الحج ذلك العام، فلم يرجع ابن عليوة ولكنه واصل السفر إلى طرابلس في باخرة متوجهة إلى جربة ومنها إلى طرابلس، ولم يبق إلا ثلاثة أيام هناك حتى سمع المنادي ينادي على من يرغب في زيارة اسطانبول فتوجه إليها، وقد أعجب بطرابلس ورآها صالحة (للانتقال) إليها لتشابه اللغة والعادات والتقاليد، وهذا يكشف على أن ابن عليوة كان متضايقا من العيش في بلاده تحت الاستعمار، ولم يدر أن طرابلس نفسها ستقع فريسة

<<  <  ج: ص:  >  >>