إن حكم ابن عليوة على ما كان يجري في اسطانبول جدير بالملاحظة، فقد جاءت زيارته في وقت كانت الفوضى على أشدها هناك بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد وتولى لجنة الاتحاد والترقي وتغلغل النفوذ الصهيوني عندئذ، ولذلك ضاقت نفسه وحبذ الرجوع إلى بلاده على مشاهدة ما كان يحدث في عاصمة الخلافة التي كان يظن بها خيرا، ورغم أنه لم يتعرف على الجالية الجزائرية (والمغاربية) هناك ولم يدرس الآثار والمجتمع، إما للفوضى التي وجدها وإما لأن نفسه لم تكن نفس باحث فضولي، فإنه قد يكون حقق بعض ما كان يطمح إليه، ولا ندري من مساق السيرة لماذا رجع إلى الجزائر ولم يقم في طرابلس التي أعجبته، مع أبناء عمه، وقد تعرف فيها على أحد الأتراك فعرض عليه الإقامة في إحدى الزوايا وإجراء الأوقاف عليه، وكيف استأنف ابن عليوة حياته في الجزائر بعد أن كان قد باع داره وأثاثه، والذي لا شك فيه الآن هو أن ابن عليوة لم يحج عندئذ ولم يزر بلاد المشرق الأخرى كما أشيع عنه.
ومهما كان الأمر فإنه شرع في بناء زاوية في مستغانم، ثم توقف البناء عدة مرات، ثم استكمل حوالي ١٩٢٢، وكان العملة والمهندسون يعملون بالتناوب وفي سبيل الله، ولا يأخذ العمال أجرا وإنما يعملون متطوعين حوالي شهرين لكل واحد، وهم من الجزائر وتونس، ولكنهم كانوا يطعمون الطعام وينامون فقط، ثم يأتي آخرون بدلهم، وهكذا، وعند الانتهاء من البناء أقيم حفل صوفي كبير، وكان الشيخ يمارس مع أصحابه مظاهر الزردة والرقص والإنشاد، في حركات تبدأ بطيئة ثم تتسارع وتعنف مع ذكر اسم (الله) في البداية إلى أن يتحول إلى نفس طويل، ثم يسقطون صرعى، حسب وصف الطبيب (مارسيل كاريه) الذي خبرهم وجالس ابن عليوة طويلا وعالجه.
وهناك أضواء على صوفية ابن عليوة نأخذها من مصادر الأوروبيين