للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين خالطوه عن كثب ودخل بعضهم في طريقته، ومن هذه المصادر كتابات مارسيل كاريه عنه، والفنان الفرنسي عبد الكريم جوسو الذي قيل إنه اعتنق الإسلام، والمستشرق المعروف أوغسطين بيرك (والد جاك بيرك). والخبير الإنكليزي مارتن لانغز الذي سمى نفسه الحاج أبو بكر سراج الدين، ومن هذه المصادر نعرف أن جماعة ابن عليوة كانوا يتفوهون بعبارات قريبة من المسيحية مثل السلام الباطني، وقولهم: من الأعماق ناديتك يا إلهي! وفسر ابن عليوة نطق أحد أتباعه بلفظة (الله) مطولة بأنه كان يفعل ذلك لكي يحقق ذاته في ذات الله، وقيل إن ابن عليوة ناقش الطبيب (كاريه) وقال له إن المسيحية واليهودية ديانتان منزلتان أيضا، ولكن محمد (صلى الله عليه وسلم) هو خاتم الأنبياء ومكمل الرسالات، وقد وصفوا ابن عليوة بالتسامح، وظهر له أن كاريه كان في نظره (ملحد) عندما ناقشه في العقيدة والدين، وطلب منه ابن عليوة أن يكون واحدا منهم فقبل وقال له: أنت أقرب إلى الله مما تظن.

أما بيرك فقد زاره في زاويته عدة مرات بين ١٩٢١ - ١٩٣٤ (تاريخ وفاة الشيخ). ولاحظ عليه أنه كان من عشاق البحث الميتافيزيقي والخوض في الفلسفات، وكان يستشهد كما ذكروا، بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (ربي زدني تحيرا فيك). وأنه كان على علم واسع بالكتب المتقدمة مثل التوراة والإنجيل ومأثورات رجال الكنيسة، وبنوع خاص إنجيل يوحنا ورسائل القديس بولص، ويذهب بيرك الذي أعجب بالشيخ غاية الإعجاب، في ظاهر الأمر، إلى أن ابن عليوة استطاع أن (يوفق بين التعدد والوحدانية في مفهوم التثليث للأقانيم الثلاثة في وحدة طبيعية). ولكن هذا الرأي جاء مختلطا عند بيرك، فهو تارة يقول إن الشيخ قد رفض هذا المفهوم وتارة جعله من المتمسكين به، وكذلك قال بيرك إن بعض أعداء ابن عليوة اتهموه بالاعتقاد بالتثليث (١). وكان الشيخ يعتقد أنه مجدد، وأنه من الذين قيل عنهم إنهم يظهرون على رأس كل مائة سنة، ولذلك كان يقول: (أنا الساقي المجدد). وقال في شعره الذي طبع بعد موته:


(١) لانغز، مرجع سابق، ص ٧٧، ٨٠، وقد أشرنا إلى ذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>