للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صرح يا راوي باسم العلاوي ... بعد الدرقاوي خلق الله

والمعروف أن ابن عليوة قد سحب نفسه من الدرقاوية أيضا وأظهر استقلاله، ولا عجب في ذلك إذا عرفنا كيف عمل الفرنسيون على تمزيق الطرق الصوفية وتجريدها من مرجعها الأصلي.

ومن رأى بيرك أن ابن عليوة له قدرة عجيبة على تنويم أتباعه بطريق التأثير المغناطيسي، ولكنه نسب ذلك الفعل إلى خصومه، إذ قال بيرك إنه اتهام ليس له أساس، غير أنه اعترف بأن ابن عليوة يسمى طريقة تأثيره في أتباعه (بالخمرة) (خمرته). فهو يعامل المريد معاملة الميت بين يدي غاسله، بحيث يكون المريد سلبيا مستسلما، واعترف بيرك بقوة تأثير الشيخ على الغير، وقال إنه رغم صوفيته كان لا يتخلى عن الأحوال السياسية والشؤون المحلية.

ومما يذكر أن ابن عليوة كان يعرف الفرنسية جيدا حتى أنه استغنى عن ابن أخيه الذي كان يترجم عنه مع الطبيب كاريه، وقد دعي ابن عليوة ليؤم الناس في أول صلاة وإلقاء أول خطبة بمسجد باريس سنة ١٩٢٦، وسافر على ظهر باخرة، ولا ندري كيف عومل هناك ولا انطباعه هو عن المسلمين والفرنسيين، وقد وصفه بيرك بأنه كان مهيبا، ويتكلم بصوت منخفض ورقيق، وله نظرة ثابتة بل قاسية تقريبا، وكان يظهر كالنائم، ورأسه يميل أماما تارة والخلف تارة أخرى تبعا لإيقاع الموسيقى والرقص والإنشاد في نفسه، وبالغ بيرك فقال إنه شبيه بسيدنا إبراهيم الخليل، وأن طبيعته هي طبيعة القادة والقديسين، ومن رأي ابن عليوة (أن الموسيقى تنفذ كتيار سيال وتحمل الإنسان إلى الحضرة القدسية) (١).

والخلاصة أن الشيخ ابن عليوة كان رجلا صاحب نفوذ على أتباعه وتأثير على زواره ومثارا للجدل لدى خصومه أو الذين لم يفهموا تصرفاته الغريبة أحيانا، وكانت الصحف المحلية تزيد الرماد نفخا فادعت أن أتباعه


(١) لانغز، مرجع سابق، ص ١١٥، ١١٧،

<<  <  ج: ص:  >  >>