للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عيسى هذا يتمتع بسمعة في الورع والتقوى، فازدهرت الزاوية وبسطت نفوذها، ولكن ابنه، صالح بن علي، لم يسر، حسب كور، على خطى والده، فقد أكثر من جمع المال، ويبدو أن المصالح الفرنسية كانت تتبع سيرته سنة ١٩٠٩، وتبين لها أنه لا يمكن أن يكون شيخا ناجحا، ومع ذلك انتشرت الزوايا الرحمانية في الجهات القريبة (١).

وتذهب المصادر إلى أن الحاج عمر بقي وهو في المهجر، الشيخ الأكبر للطريقة، ولكن الإخوان اختاروا بعده شيخا آخر يدبر أمرهم، فكان هو الشيخ محمد الجعدي، وهو من بني جعد نواحي سور الغزلان، ويبدو أن الشيخ الجعدي قد جاء في وقت صعب للغاية، أي بعد احتلال المنطقة من قبل الفرنسيين ومحاصرة الرحمانيين في كل مكان هناك وتشريد السكان وحرق المداشر، وهي المعارك والحرائق التي أشرف عليها الحاكم العام راندون وثلاثة جيوش أخرى، وانتهت بمعركة إيشريضن التي لا تنسى حتى لدى الفرنسيين، إذ أقام لها جول كامبون سنة ١٨٩٦ نصبا تذكاريا تخليدا لذكرى قتلى الفرنسيين فيها، كما جاء الشيخ الجعدي في وقت شعر فيه مقدمو النواحي الأخرى بارتخاء قبضة الزاوية عنهم، وأمام ذلك انتخب الشيخ محمد أمزيان الحداد شيخا للطريقة مع الاستقرار في صدوق، وقد استمر في إدارة شؤون الزاوية إلى ثورة ١٨٧١، وفي عهده اشتهرت الزاوية الأم (صدوق) بالعلم والحيوية، وعادت لها حركتها السالفة، رغم محاولات الإدارة، الاستعمارية السيطرة على الزوايا عموما ومراقبتها، والمعروف أن الشيخ الحداد كان مثل الشيخ محمد بن عبد الرحمن، يجمع العلم إلى التصوف (٢).

ورغم مكانة الشيخ الحداد، فإنه لم يستطع أن يوحد كل الفروع حتى في زواوة نفسها، فإذا كانت فروع قسنطينة والخنقة وبوسعادة (الهامل)


(١) كور، (بحوث ..) المجلة الإفريقية، ١٩٢١، ص و ٣٢ - ٣٣١.
(٢) سندرس بعض آثاره في جزء آخر من هذا الكتاب،

<<  <  ج: ص:  >  >>