للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبيعي وغير منطقي. ومع ذلك فقد كان الجزائريون يثورون على هذا الحكم كما تشير النماذج التي أتينا عليها في الفصل الثاني من الجزء الأول. كما أن الدلائل كانت تدل على أنهم كانوا سيثورون لا محالة ثورة وطنية متحدة ضد الحكم العثماني لولا تدخل الفرنسيين سنة ١٢٤٦ هـ (١٨٣٠).

وتظهر سلبية الوجود العثماني في الجزائر في الميدان الثقافي على الخصوص. فالعثمانيون قد دافعوا في البداية عن الدين الإسلامي وشجعوا تيار التصوف في البلاد وأوقفوا بعض الأوقاف على المؤسسات الدينية وساهموا في بناء الزوايا والمساجد والكتاتيب، فكأن نظرتهم إلى الدين في داخل البلاد كانت نظرة تعبدية محضة. وهي نظرة لم تستفد منها الثقافة على كل حال. فهم لم يؤسسوا جامعة كالقرويين أو الأزهر أو الزيتونة تبث العلم وتخرج العلماء والكتاب وتحفظ اللغة وتربي العقل. ثم إنهم لم يكونوا يتكلمون لغة البلاد ولا يتذوقون أدبها ولا يقرأون كتبها ولا يتصلون بعلمائها اتصالا عاطفيا وعقليا كما فعل مثلا سلاطين المغرب أو حتى بايات تونس بعد تأسيس العائلة الحسينية.

فلا غرابة إذن أن لا يشجع العثمانيون العلماء والشعراء على الإنتاج في عصر كان فيه الإنتاج الأدبي والتاريخي والعلمي محصورا في بلاطات الحكام. وهم لم يعقدوا المجالس العلمية والمناظرات كما كان يفعل قبلهم أمراء بني زيان وبني حفص وغيرهم. وهي المجالس والمناظرات التي كانت تشحذ المواهب ويتنافس فيها العلماء وتبرز القضايا الفكرية والخلافات المذهبية. ثم أن حرمان الجزائر من جامعة أو معهد للتعليم العالي قد جعل معظم علمائها يتكونون خارج بلادهم، وكثير منهم كانوا لا يعودون أصلا. وإذا كانت الحكمة تقول (الناس على دين ملوكهم) فإنها في الجزائر العثمانية تصبح (ثقافة العلماء على قدر ثقافة الحكام) وذلك أن أغلب العلماء كانوا يكتفون بالقليل من العلم لأنه لا أحد سيطالبهم بتجويده ولا بالمزيد منه.


= على صاحبها العشرين يوما ونحوها ويعتدون على حرمة السكان ويأكلون وينامون دون دفع أي شيء ودون أن يستطيع الساكن رفضهم أو الشكوى منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>