للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد عالجنا هذه النقطة في مكانها من الكتاب وخصوصا فصل العلماء من الجزء الأول.

فهل يصح إذن أن نطلق على هذا العهد (عهد الانحطاط الثقافي)؟ والواقع أن عهود الانحطاط السياسي والثقافي قد بدأت قبل القرن العاشر بفترة طويلة وأن دراسة أسبابها خارجة عن نطاق هذا الكتاب. ويكفي أن يعود المرء إلى مقدمة ابن خلدون وبدائع السلك لابن الأزرق وغيرهما من التآليف التي تعرضت لتلك الظاهرة. أما ما يخص موضوعنا فإن ظاهرة الجمود الثقافي كانت بارزة في العهد الذي درسناه، وهو جمود ليس خاصا بالجزائر. ولو كانت الثقافة في بقية العالم الإسلامية حية ونشيطة لاستفاد منها الجزائريون أيضا لأن معظم علمائهم كانوا يرحلون في طلب العلم إلى المعاهد الإسلامية. وإذا كان الأمراء في غير الجزائر لهم اتصال وثيق بالثقافة العربية والعلوم الإسلامية فإن حكام الجزائر، كما ذكرنا، كانوا أبعد الناس عن هذا الميدان. وهذا هو الفرق بين حالة الثقافة في الجزائر وغيرها من البلدان العربية الإسلامية الأخرى خلال هذا العهد. أما ظاهرة الجمود فقد كانت عامة.

ومع ذلك فنحن نجد، إذا حكمنا من عدد العلماء في كل فترة ومن عدد التآليف، أن لخط البياني للثقافة في الجزائر كان يسير في حالة اطراد وصعود. فبعد النزاع السياسي الكبير الذي عانت منه هذه الثقافة في القرن العاشر (١٦ م) الذي شهد هجرة العلماء الواسع وكثرة الحروب، أخذت الحياة تدب فيها في القرن الحادي عشر باستقرار الأوضاع السياسية وازدهار الحياة الاقتصادية وتوارد العلماء المسلمين على الجزائر ووفرة الكتب. ثم شهد القرن الثاني عشر (١٨ م) وأوائل الثالث عشر حركة قوية في صفوف العلماء والعناية بالتعليم وكثرة التآليف. ففي أواخر القرن المذكور (الثاني عشر) بدأت حركة نشيطة بتشجيع التعليم والعناية بالأوقاف والاهتمام بالعلماء والكتب. وقد ساهم في هذه الحركة بعض البايات أمثال صالح باي والحاج محمد الكبير، كما أنه منذ استرجاع وهران الأخير (سنة ١٢٠٥) أخذ العلماء

<<  <  ج: ص:  >  >>