الجزائريين يهتمون بالعالم الخارجي فاهتم ابن سحنون بأخبار الثورة الفرنسية، وكتب أبو راس عن أثر الحملة الفرنسية على مصر والشام، وعن الحركة الوهابية، وكتب ابن العنابي كتابه عن الإصلاح الاجتماعي والحربي للجيوش الإسلامية ودعا إلى الأخذ بنظم الغربيين فيما لا يخالف قواعد الإسلام. وقد كان لاسترجاع وهران، وثورة معظم الطرق الصوفية، وحملة الإنجليز على مدينة الجزائر، وبداية الإصلاح في الدولة العثمانية، ومصر على الخصوص، وثورة شعوب البلقان ضد العثمانيين، كان لهذا كله أثره الإيجابي على الحياة الفكرية في الجزائر. ولولا الاحتلال الفرنسي لأخذت تلك الحركة في التوسع والنمو ولسبقت الجزائر أخواتها بالنهوض والتخلص من ظاهرة الجمود (١).
...
وقد سيطرت عدة ظواهر على الحياة الثقافية في العهد الذي درسناه ومن أهمها انتشار التصوف والدروشة وشيوع الشروح والحواشي على أعمال المتقدمين والثقافة الموسوعية والحفظ، فالتصوف الذي يعني الزهد والتقشف والصلاح والعمل بالعلم والابتعاد عن الدنيا وأهلها قد ترك مكانه في أغلب الأحيان إلى نوع من التصوف هو أقرب إلى الدروشة والدجل منه إلى الصلاح. لذلك شاعت مغامرات مدعي الولاية من الجهلة الذين كانوا يبتزون أموال الناس ويهددونهم في حياتهم. وكانت السلطة متواطئة مع هؤلاء أو غاضة النظر عنهم. وقد شاع هذا التصوف حتى بين العلماء العاملين كالفقهاء والنحاة والمؤرخين، بل حتى بين الولاة والمسؤولين. فأنت لا تكاد تجد عالما في آخر القرن الثاني عشر (١٨ م) إلا وهو منتم إلى إحدى الطرق
(١) مما يذكر أن عمر باشا (١٢٣٠ - ١٢٣٢ هـ) كان صديقا لمحمد علي والي مصر، وأن الحاج محمد الكبير قد ذهب إلى الحج أثناء انتشار الحركة الوهابية ومر بمصر واتصل بعلمائها أمثال محمد مرتضى الزبيدي ومحمد الأمير الكبير المازوني الأصل. ولكننا لا نعرف أن هناك خطة موسومة للإصلاح لا من عمر باشا (الذي بقي فترة قصيرة ولا من محمد الكبير ولا حتى من صالح باي.