الصوفية آخذا الورد والسبحة والمصافحة والخرقة ونحوها من أحد شيوخ الصوفية. وقد كانوا يتباهون بذلك ويسجلونه في أثباتهم ومذكراتهم. كما كان بعض الولاة يتقربون إلى رجال التصوف بوقف الأوقاف عليهم وإعفائهم من الضرائب وبناء القباب لهم والتبرك بهم وأخذ العهد منهم ونحو ذلك. فالعقل الإنساني في جميع مستوياته كان عندئذ واقعا تحت طائلة هذا المخدر القوي وهو التصوف المحرف عن حقيقته.
ومن جهة أخرى فقد قلت الآثار المبتدعة في إنتاج العلماء بحكم الجمود العقلي وشيوع الدروشة والتخلف السياسي، فالتمس هؤلاء العلماء نشاطهم العقلي في دراسة أعمال السابقين والنظر إليها نظرة تقديس. وعكفوا عليها يشرحونها ويحشون عليها ويكررونها مختصرين لمطولاتها ومطولين لمختصراتها أو موضحين لغوامضها. وقد شمل ذلك كتب الفقه والنحو والتصوف والسيرة والتوحيد والمنطق. وإذا لم يجد العالم ما يشرحه لغيره من الآثار عمد إلى شرح أعمال نفسه. فهو ينظم مثلا قصيدة أو رجزا في موضوع ما ثم يقوم بشرح ذلك كما فعل أبو راس وابن سحنون. وأحيانا كان العالم يؤلف مختصرا ويطلب من زميله أن يشرحه كما فعل عبد الرحمن المعسكري صاحب (عقد الجمان) مع محمد الجوزي المزيلي. ولم يكن ذلك مقصورا بالطبع على علماء الجزائر. كما أن ظاهرة الجمع بين عدة علوم كانت منتشرة وموضع تفاخر بين العلماء، فأنت لا تكاد تجد في سيرة عالم من العلماء إلا أنه جمع بين علوم النقل والعقل وعلوم الظاهر والباطن. وهم فعلا كانوا كذلك يأخذون من كل علم بطرف ويبثون ذلك في تآليفهم أيضا إذ يذكرون فيها الطرائف والنوادر والأخبار والحكايات والاستطرادات المتنوعة. ويا ويح العالم الذي اقتصر في مجالسه على علم واحد أو ألف ولم ينوع ويستطرد!. ولذلك وجدنا نحن صعوبة كبيرة في تصنيف هذه المؤلفات وتبويبها في الجزء الثاني. كما أن ظاهرة الحفظ كانت شائة عندهم ويتباهون بها وكان بعضهم يحفظ كتبا بأسرها. ومن الجدير بالذكر أن علماء الجزائر قد ألفوا تقريبا في كل العلوم المعروفة حينئذ إلا ما نسميه اليوم بالفنون، فنحن