القائد الأعلى الحقيقي للطريقة وليس محمد الصغير في تماسين، ولم يكن يعترف بسلطته ولم يقبل بانتخابه، ولكنه أبقى على علاقة مجاملة معه، لأن فرنسا لم تعطه الضوء الأخضر للانفصال، فاكتفى بالإشراف على زاوية عين ماضي وعلى المقدمين الواقعين غرب خط الجزائر - الأغواط، فأصبح للطريقة فرعان في واقع الأمر، يشرف على كل منهما شيخ، أحدهما منتخب والثاني يرى نفسه هو الأحق بالخلافة، وتذكر مصادر الفرنسيين أن هؤلاء كانوا يتراسلون مع كليهما على قدم المساواة، أي دون سحب الاعتراف بأي من الشيخين، لأن مصلحة فرنسا السياسية تقتضي ذلك (١). وكانت الزيارات متبادلة بين الزاويتين، فقد زار البشير التجاني تماسين لبضعة أسابيع سنة ١٨٨٤، وقد عرفنا أن أحمد التجاني نفسه قد ذهب بعد وفاة الشيخ محمد الصغير، إلى قمار لإيجاد صيغة للوراثة ترضي الطرفين، ولكن الوفاة أدركته هناك.
ويبدو أن هناك حادثة جرت ناحية تماسين سلطت بعض الظلال على العلاقات بين فرنسا وفرع تماسين، في أوائل عهد محمد الصغير (١٨٧٨). والحادثة في ظاهرها عائلية ولا تستحق كل الاهتمام الذي أعطى لها، ولكن تطوراتها وتفريعاتها وتوقيتها جعلت منها حادثة سياسية أيضا، فقد تزوج المسمى محمد بن بلقاسم، وهو من أولاد السائح القريبين من تماسين، من أخت معمر بن الحاج علي، الرئيس الزمني للزاوية، وأنجب منها أربعة أولاد، وكان معمر لا يميل إلى أبناء أخته، فلم يهتم بتربيتهم ولا بسلوكهم، فهام اثنان منهم، وهما محمد الصغير وأحمد، في الأرض وأخذا يجمعان الزيارات (النقود ...) باسم شيخ الزاوية، مستغلين علاقة القرابة، وتداخلا مع الطوارق، واعتقدت السلطات الفرنسية أن الزاوية نفسها متورطة في ذلك، وأجرت السلطات التحقيق وتبينت براءة الزاوية، أو هكذا انتهى التحقيق، وظهر أن الزاوية كانت تشكو من تصرف الولدين، وطالبت بتسليط العقوبة عليهما، ولما علم الوالدان بذلك هربا إلى تونس، وبعد حين رجع
(١) رين، مرجع سابق، ص ٤٤١، كان البشير كثير التردد على زاوية تماسين وقمار.