للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظاهر أن العاصمة في العهد العثماني كانت مدينة دولية (أو كوزمو بوليتان). فقد عرفنا أن سكانها كانوا من مختلف الأجناس، بالإضافة إلى أهلها الأصليين، وكان فيها أيضا مختلف الأديان واللغات. وكانت مفتوحة للتيارات الخارجية إلى حد كبير. وهي لذلك كانت توفر حاجات مختلف السكان. فقد كانت فيها المقاهي والبزارات والملاهي والحانات بل كان فيها البغاء المنظم عن طريق الدولة. ولا شك أن ذلك كان معمولا لسد حاجات الجند المفترض فيهم العزوبة، وكذلك حاجات غيرهم من الأجانب والجزائريين (١) أما الحانات فقد كان يديرها اليهود ويتردد عليها العرب والعثمانيون والأجانب (٢).

وقد اختلفت وتضاربت الأقوال حول عدد سكان العاصمة في العهد العثماني غير أنه لا يمكن الوصول إلى رقم مضبوط لعدم توفر الإحصاءات الدقيقة. وكل ما يوجد عندنا هو مجرد تقديرات الرحالة الأجانب أو تخريجات الدارسين من سجلات رواتب الجنود وسجلات دفع الضرائب من السكان. وقد أشرنا إلى أن العاصمة قد تعرضت إلى جوائح أدت بدورها إلى هلاك عدد كبير من السكان وتسببت في عدم استقرار نسبتهم. ومهما كان الأمر فقد قدر الحسن الوزان عدد السكان بثمانية وعشرين ألف نسمة، وقدرهم نيقولاي في القرن العاشر (١٦ م) بواحد وعشرين ألف نسمة. أما فرنسيس نايت فقد قدرهم، أواسط القرن الحادي عشر، بحوالي ثلاثة وعشرين ألف نسمة، بينما قدرهم بعضهم، أواخر العهد العثماني، بحوالي مائة وعشرين ألف نسمة، وهناك إحصائية أخرى في نفس الوقت تحصرهم


(١) رغم، وجود البغاء المنظم والرسمي فإن الشذوذ الجنسي كان منتشرا بين الجنود العثمانيين. انظر فرنشيسكو خيمينث الأسباني في (المجلة التاريخية المغربية) ١٢، ١٩٧٨، ١٩٩. ترجمة ونشر ميكال دي ايبالزا والهادي الوسلاتي. انظر أيضا شعر المنداسي في هجاء الترك. وكذلك تأليف جوزيف بيتز (حقائق) ١٧، وتأليف فرنسيس نايت (سبع سنوات) الخ.
(٢) حمدان خوجة (المرآة)، وبنانتي، ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>