للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان النقد غالبا موجها (للطرقية) دون تمييز، أي إلى الظاهرة في حد ذاتها باعتبارها مؤثرا اجتماعيا سلبيا ومعرقلا في مسيرة الإصلاح المنشود، ونظرا لعلاقة الطرق الصوفية بالاستعمار الفرنسي منذ تجريدها من سلاحها في فاتح هذا القرن وجعلها آداة في يد الإدارة، فإن الهجوم عليها كان (كاسحا) بالأولوية، وحتى الاستعمار نفسه، بقوانينه وتعسفاته، لم يحظ بمثل الهجوم الذي شن على الطرق الصوفية، ولعل الهجمة في الجزائر على هذه الظاهرة كانت أشد من غيرها في العالم الإسلامي (١)، نظرا لشراسة الاستعمار من جهة وسيطرة الطرق على عقول الناس من جهة أخرى، ففي غياب التعليم وفي ظل العزلة القاتلة حكم الفرنسيون على الجزائر بالإعدام المعنوي من خلال عدة ظواهر، ومن بينها توظيف الطرق الصوفية. ونادرا ما يذكر المهاجمون طريقة بعينها إلا العيساوية ربما، فقد انفردت أحيانا لشعوذتها وبهلوانيتها (ومثلها العمارية). وكذلك التجانية لغموضها وضلالتها و (إلحادها) على حد تعبير ابن باديس.

فرغم دور التجانية في المغرب وفي غرب افريقية في مقاومة الاستعمار ونشر الدين الإسلامي، فإنها في الجزائر قد اعتبرت طريقة متسترة على فظائع الاستعمار، وقد لاحظنا ذلك في الجانب السياسي فيما مضى، أما الجانب العقائدي فقد ظهرت عدة كتابات في نقد بعض أذكار التجانية وما نسب إليهم من تفسير لبعض الآيات، وما نسب إلى شيخها من فتوحات وكشوفات لا تتلاءم مع التصوف السني، ومن تلك الكتابات النقدية ما ظهر في مجلة (الفتح) المصرية ونقلته عنها (الشهاب) (٢).

ومنها ما كتبه محمد الحجوي المغربي في مجلة (الرسالة) ضد التجانية، وقد تبنى ابن باديس ما جاء به الحجوي وتوسع فيه، فإذا بأحد المغاربة وهو الشيخ أحمد سكيرج يرد على ابن باديس معتبرا إياه (مهدم الطائفة


(١) قد يشبهه في ذلك موقف أتباع محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية أول أمرهم.
(٢) الشهاب، ١٩٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>