للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التركات إلا إذا كان المبلغ كذا وكذا.

إن الفرنسيين كانوا يبحثون عن الأداة الاستثنائية، كما قالوا هم عن حسن بن بريهمات، وليس عن العالم الكفء المستقل بعلمه، كان يهمهم الشخص الطيع المنقاد الطماع الذي لا يهمه دين ولا ملة بقدر ما يهمه الجيب وإرضاء الأسياد، وقد أحس بعض الفرنسيين بذلك بعد حين وعلموا أن ذلك النوع من الناس يضرهم ولا ينفعهم على طول المدى، وأحس بعضهم بالندم على توظيف غير المؤهلين والجشعين والانتهازيين وضعاف العلم والنفس، ولكن الندم لم يعد يفيد، يقول أوغسطين بيرك، وهو الذي قضى معظم حياته في خدمة الإدارة الفرنسية في الجزائر مختصا بشؤون (الأهالي). يقول سنة ١٩٤٩ عن (غلطة فرنسا الكبرى) في هذا المجال: إن الخطأ الثقيل الذي ارتكبناه في سياستنا الدينية ... هو تساهلنا مع رجال رسميين جهلة وشرهين بدون ثقافة، وكل مؤهلاتهم هي ضحالتهم .. لقد رأينا أحد المفتين يطلب معلومة عند الشيخ الطيب العقبي حول طفل قطعه الأطباء مائة قطعة، وكثر الجدل حوله، ولكن هذا المفتي كان مخبرا للشرطة، ورأينا أكثر من موظف رسمي من هذا الصنف وهو يلقي خطبة في أحد المؤتمرات فأثار الضحك والسخرية بين علماء المغرب وتونس، إن هذا العالم الرسمي كان حلس مكاتب الشرطة أيضا، وكم من حزاب رأيناه لا يكاد يعرف مبادئ القرآن ويرتكب أخطاء فظيعة لا يقبلها حتى أكثر المسلمين تخلفا، لكن هذا الحزاب كان عميلا انتخابيا Agent Electorat. وقد ختم بيرك ملاحظته بقوله: إننا بذلك عجلنا بتدهور أصحاب الديانة الإسلامية التابعين لنا، إنها غلطة لا يمكن أن تغتفر، وها نحن ندفع اليوم ثمنها غاليا، لقد كان بيرك يكتب عن ذلك ليستنتج منه نتيجة وهي نجاح جمعية العلماء على حساب رجال الدين الذين وظفتهم فرنسا (١).


(١) أوغسطين بيرك (أساري الألوهية ...) في مجلة البحر الأبيض المتوسط، م. ١٥، ١٩٥١، ص ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>