للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين أهل المدن وأهل الثقافة. وبالإضافة إلى البكداشية والمولوية شاعت في الدولة العثمانية الطريقة النقشبندية والطريقة القادرية وكلتاهما أيضا من الطرق القريبة من عقائد أهل السنة لعدم تطرفهما في ممارسة التصوف (١).

فإذا رجعنا من هذه النظرة العامة إلى علاقة العثمانيين في الجزائر بالدين وأهله وجدنا تفسيرا واضحا لما قاموا به هناك. فالطرقية (أو التصوف) التي كانت ظاهرة اجتماعية حضارية عامة في المجتمع الإسلامي، قد سبقت العثمانيين في الجزائر. ذلك أن أفكار محيي الدين بن عربي قد انتشرت فيها قبل العثمانيين، كما أن حسن بن باديس صاحب السينية، قد تحدث عن الشيخ عبد القادر الجيلاني وطريقته (القرن ٨ هـ). ومن جهة أخرى تحدث محمد الزواوي الفراوسني صاحب (المرائي الصوفية) عن الطريقة القادرية في وقته (القرن ٩ هـ). وقد شاع التصوف في الجزائر بفضل مدرسة عبد الرحمن الثعالبي ومحمد بن يوسف السنوسي وأحمد زروق وغيرهم، كما سبقت الإشارة (٢). وكان الانتماء إلى طريقة من الطرق لا يعد نقصا أو عيبا، بل إن أخذ الطريقة، كما كانوا يسمونه، شيء يعلن عنه ويشاع بين الناس ويمارسه العلماء والتجار والساسة والجنود (٣). أما باقي الناس فيكتفون بالإيمان في نفع وضر شيخ الطريقة (أو المرابط) القريب منهم. ومن الطرق التي شاعت في الجزائر قبل العثمانيين أيضا الشاذلية والقادرية.

وتختلف الآراء حول سياسة العثمانيين الدينية في الجزائر فبعضهم نفى أن تكون لهم سياسة دينية محددة وأكد أن همهم الوحيد كان القرصنة ونهب


(١) انظر برنارد لويس (إسطانبول وحضارة الدولة العثمانية)، أوكلاهوما ١٩٦٣، الفصل السادس.
(٢) انظر قسم التصوف في الفصل الأول من هذا الجزء.
(٣) ذكر عبد الرحمن الجامعي أن محمد بكداش قد دخل طريقة أحمد بن ساسي البوني قبل توليه باشوية الجزائر. وأن البوني هو الذي سماه محمدا وأخبره أنه رأى رؤية يموت فيها على حسن الخاتمة: انظر (شرح الحلفاوية) للجامعي، مخطوط باريس رقم ٥١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>