روى جيرفي تفاصيل رحلته إلى مكة رفقة الحاج أكلي، ففي جدة شكت فيه الشرطة التركية وكاد يكتشف ويقع في مأزق، ولكن الحاج أكلي تدخل وأنقذه، وبعد دخوله مكة ظل الشك يحوم حوله أيضا، وأظهر أنه طبيب وقام بعلاج بعض المرضى، وأقام علاقات صداقة في مكة وحصل من هؤلاء الأصدقاء (!) على معلومات ثمينة حول الوضع السياسي والتجاري والصحي، وقام بالشعائر وطاف مع مطوف يسمى عبد الرحمن وهو متخصص في تطويف الجزائريين، كان جيرفي، كما قلنا، مكلفا من حكومته بمهمة سرية لدى شريف مكة، وقد أنجزها، ونحن لا ندري ما هي هذه المهمة، ولعلها تلميع صورة فرنسا أو فتح بعض المجالات التجارية إلى جانب الإنكليز.
أما الملاحظات العامة التي أبداها جيرفي فهي مهمة لنا ما دامت تتعلق بالجزائريين في الحج وصورة فرنسا هناك، يقول جيرفي إن الطريق بين جدة ومكة غير آمن من هجمات البدو على الحجاج، وأن تأثير فرنسا السياسي والتجاري شبه معدوم في الحجاز، والناس هناك يتحدثون عن فرنسا كدولة تضطهد الجزائريين والتونسيين، وهم يقولون إن النحس قد أصاب الجزائر وتونس بتسلط فرنسا عليهما ووقوعهما في أيدي النصارى، ويضيفون أن عرب الجزائر وتونس قد جردوا من أراضيهم، وفرضت عليهم الضرائب الثقيلة، وهم لذلك في حالة فقر مدقع وضنك شديد، ويقولون: إن فرنسا تهمل الحجاج الجزائريين وتتركهم بدون موارد، هذه هي الصورة السوداء إذن التي وجدها جيرفي عن بلاده في الحجاز، وكان عليه أن يبيضها، كما كان عليه، وهذه مهمته، أن يربط علاقات تجارية مع هذا البلد، ولذلك أوصى بأن تنشر فرنسا في أوساط مكة مناشير حول تونس والجزائر تذكر فيها بما قامت به فيهما من تقدم، وبذلك تتطور علاقات فرنسا السياسية والتجارية مع الحجاز، ونحن نفهم من رحلة جيرفي أن حالة الجزائر كانت معروفة في الحجاز وأنها حالة سيئة، وأن فرنسا هي التي كانت تتحمل المسؤولية في ذلك، وكان عليها أن تغير هذه الحالة لكي تفتح المجال