وبالتدرج تحول الحج الرسمي إلى مسرحية سياسية، كانت الإدارة هي التي تنظمه وتشرف عليه وتختار عناصر الحجاج من الأعيان المعروفين لديها، وتصدرهم وتجعلهم يتفوهون بعبارات الشكر والحمد، والإخلاص والموالاة، وكانت تخلط بين رجال الدين والدنيا، بل وكانت تجمع بين أعيان الجزائر والمغرب وتونس، ومن ثمة أصبح الحجاج المختارون في الواقع سفراء لفرنسا، وليس غرض هذه الفقرة تتبع كل المراحل من الحج الرسمي المنظم فذلك يخرجنا عن موضوعنا، وإنما نذكر أن السلطات الفرنسية في الجزائر قد منعت الحج طيلة السنوات السابقة للحرب العالمية الأولى نظرا لأوضاع الجزائر نفسها بعد الهجرة الجماعية سنة ١٩١١ وبعد التصديق على مشروع فرض التجنيد الإجباري وتشوش الرأي العام الجزائري، كذلك كانت حرب طرابلس (١٩١١ - ١٩١٢). واحتلال المغرب الأقصى (١٩١٢) والانقلاب العثماني (١٩٠٨ - ١٩٠٩) من العوامل التي لم تساعد على حرية الحج، وعند اندلاع الحرب العالمية نفسها كانت فرنسا في معسكر والدولة العثمانية في معسكر اخر، فازداد المنع والتضييق على الحج.
وكان على فرنسا أن تجند الرأي العام الجزائري ضد الدولة العثمانية، فأوعزت إلى رجال الدين ورؤساء الطرق الصوفية أن يعلنوا عن انحراف تركيا عن خدمة الإسلام، ولم يجد النخبة حرجا في ذلك، واهتم الكتاب، مثل ديبارمي، بما أسموه برواسب التعاطف مع الدولة العثمانية في الجزائر، وقد تضرر الحجاج من كل ذلك فانقطعت السبل باتجاه الحجاز إلى سنة ١٩١٦، ففي هذه السنة قام الشريف حسين بالتعاون مع الحلفاء بالثورة على الدولة العثمانية وإعلان الحرب عليها، وأرسل ابنه فيصل مع لورنس الإنكليزي إلى الشام، وكان الشريف في ذلك كله مخدوعا لأن الحلفاء كانوا في نفس الوقت يضعون خريطة جديدة للعالم العربي بعد هزيمة الدولة العثمانية، وهي
= فصل الطرق الصوفية (حياة الشيخ ابن عليوة). وفي سنة ١٩١٤، وأمام الخوف من ردود الفعل الجزائرية خلال الحرب، أعلنت فرنسا أنها ستسمح بالحج بدون الطلب المسبق للرخصة، ولكن تطور الأحداث جعل ذلك مجرد ذر للرماد في العيون.