قبل القيام بالغزو، يدخلون في زاوية ولي دادة أو ضريح سيدي بتقة وغيرهما من القباب والمساجد، سواء في العاصمة أو في الثغور، طالبين من الأولياء البركة والنصر، كما يفسر علاقة العثمانيين كنظام، بالمرابطين ورجال الدين على العموم.
٢ - وكان العثمانيون يعرفون أنهم غرباء في الجزائر. فلم يكونوا يتكلمون لغة السكان ولا يعرفون تقاليدهم ولا طرق معيشتهم، ولم يلدوا على أرضهم أو يمارسوا حرفهم أو يختلطوا بجيل منهم في مدرسة أو شارع أو منزل، وليس لهم في الجزائر ذكريات طفولة ولا شباب. وقد كان العامل الوحيد الذي يربطهم بالأهالي هو الدين الإسلامي والجهاد من أجله ضد العدو المشترك. وهذا العامل المهم هو الذي لم يستطع النظام الفرنسي، مثلا، أن يدرك مغزاه أو أن يفهم أبعاده عندما راح كتابه يقارنون بين نظام الفرنسيين والعثمانيين والرومان في الجزائر. ذلك أن العامل الديني والخوف المشترك كان عاملا إيجابيا في صالح العثمانيين، بينما لم يكن كذلك بالنسبة للنظام الفرنسي. وإذا كان رائد العثمانيين في الجزائر هو الدفاع عن الإسلام وحب المال والحكم فماذا يا ترى كان رائد قادة فرنسا في الجزائر، من كلوزيل إلى منظمة الجيش السري؟ إن الأخوة الدينية والخوف من العدو المشترك هو الذي جعل استغلال العثمانيين الاقتصادي، على فرض التسليم بذلك، محتملا عند الجزائريين، بينما لم يجدوا أي مبرر لاحتمال استغلال الفرنسيين لهم.
والعامل المشترك (الدين والجهاد والعدو الواحد) قد جعل العثمانيين يبحثون عن حلفائهم في الجزائر ضمن الفئات والأفراد الذين يؤمنون مثلهم
= ذهب معهم في البحر كمرتد أن البحارة الأتراك كانوا إذا حل بهم مكروه يوقدون الشموع باسم أحد المرابطين أو يذبحون شاة أو أكثر ويرمون بنصفها في البحر على جانب السفينة الأيمن والنصف الآخر على الجانب الأيسر. انظر بيتز (حقائق)، ١٣, وهناك نماذج كثيرة على خرافية العقلية التركية، وهي في الحقيقة ظاهرة غير خاصة بهم في ذلك الوقت.