للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريقة أكثر فلسفة وأكثر تحمسا. ولا شك أن أول من فعل ذلك، أفرادا وطرقا، هم رجال الدين والعلماء. ومن ثمة بدأت هذه العلاقة بين الطرفين تنمو وترسخ. وعندما ندرس فئة العلماء والمرابطين سنلاحظ اعتماد العثمانيين على أهل التصوف سواء كانوا في المدن أو في الريف. وكان تقربهم منهم عن عقيدة فيهم في معظم الأحيان، تماما كما كان يفعل آباؤهم وزملاؤهم في أناضوليا والبلقان عندما كانوا يأخذون بركات الدراويش لينطلقوا نحو الجهاد. فهم في الجزائر كانوا يسيرون على تقاليد راسخة حفظوها منذ كانوا في المشرق. وعلى هذا الأساس كان كبارهم وصغارهم يحترمون رجال الدين عامة احتراما خاصا ويبالغون في تعظيمهم وإكبارهم. وتحدثنا الوثائق أن الباشوات والبايات كانوا يقومون احتراما لرجال الدين وأن بعضهم، كالباشا يوسف ومحمد بكداش باشا، كانوا يسترضون رجال الدين ويراسلونهم ويمنحونهم الهدايا والعطاءات. وتعطى قصة الشيخ أحمد بن يوسف الملياني وعروج بربروس مثلا على هذه العلاقة.

ولكن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك سخط من رجال الدين على العثمانيين. ذلك أن النزاعات بين أهل الطرق أحيانا واستغلال أدعياء التصوف للعامة ومبالغة المرابطين والعلماء في طلب الجاه وفي التنافس كان يثير قلق السلطة العثمانية التي كانت تتدخل لتوقف الأمور عند حد، لأن النظام والأمن يقتضيان ذلك التدخل. وقد وقعت عدة ثورات، كما سنشير، كان العامل الديني مظهرا لها. ولكن العامل الاقتصادي والتدخل الخارجي كانا أحيانا وراء بعضها، فالطرق كانت تتدخل في العلاقات بين الجزائر والمغرب، كما أن فرض الضرائب الإضافية وضعف الغنائم البحرية وظلم الحكام كانت وراء بعض الثورات أيضا.

ولم تكن هذه السياسة العثمانية مقصورة على الجزائر وحدها. فموقفهم من الدين والعلم كان هو نفسه سواء كانوا في إسطانبول أو في الجزائر. فإذا كانوا يعتمدون في الأولى على البكداشية والمولوية وغيرها فإنهم في الجزائر قد اعتمدوا على رجال التصوف عامة، وخصوصا الطريقة

<<  <  ج: ص:  >  >>