للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاذلية والقادرية. وإذا كانوا في إسطانبول قد خافوا من مغبة التحالف بين البكداشية والإنكشارية فإنهم في الجزائر قد خافوا من مغبة التحالف بين الشاذلية وسلاطين المغرب، وهم في الجزائر، كما في إسطانبول، لم يشجعوا الثقافة والتقدم الفكري والفني لأن ذلك خارج نطاق العصر بالنسبة إليهم. ونحن إذا طالبناهم به كنا نطالبهم بما لم يخلقوا له. وكتعبير على شعورهم الديني كانوا يبنون المساجد ويوقفون عليها الأوقاف ويعفون بعض العائلات الدينية من الضرائب. وكانوا يؤدون الشعائر ظاهريا ويتقربون من الأولياء والصالحين. ومن ثمة فإن العثمانيين سواء كانوا في الجزائر أو في غيرها، كانوا يعيشون عصرهم، عصر التخلف الفكري والتدهور السياسي، ولكن كانوا يمثلون قمة هذا التخلف لأنهم كانوا مسؤولين على الأمة الإسلامية وعلى الخلافة.

٣ - ولم يكن مستواهم العلمي بأحسن حظا من مستواهم الديني. فالعلم كان في وقتهم من شؤون المجتمع وليس من شؤون الحكومة. ولم تكن هناك وزارة ولا إدارة للتعليم لا في إسطانبول ولا في الجزائر. كان التعليم إذن حرا بمفهوم الحرية عندنا اليوم يشترك فيه الرسمي وغير الرسمي. فالأمة بأسرها مسؤولة على تعليم أطفالها، كما أن الأمة كلها مسؤولة على القيام بشؤون دينها. وقد اشترك العثمانيون، حكاما وجنودا وكراغلة، في إقامة مؤسسات التعليم بإمكانياتهم عندئذ. بدأوا بالكتاتيب حول المساجد في الأحياء الآهلة بالسكان وانتهوا بالمدارس والمساجد، التي كانت بدورها مراكز للتعليم والدروس. وقد حبسوا لذلك الأحباس ووفروا الكتب وعينوا المدرسين ورتبوا لهم الرواتب. وكانوا في ذلك لا يختلفون عن بقية المسلمين. وتطول القائمة لو ذكرنا منهم من أسهم في بناء المساجد والكتاتيب وتحبيس الكتب وتعيين المدرسين. حقا إن الذين اشتهروا منهم بذلك قلة. ويعود ذلك إلى قصر مددهم في الحكم وإلى عوامل أخرى ليس لها علاقة باستعداداتهم الشخصية (١).


(١) انظر التفاصيل في الفصل الثالث (المؤسسات الثقافية).

<<  <  ج: ص:  >  >>