هذا على المستوى الرسمي، أما على المستوى العام فإن الأهالي أيضا كانوا يعيشون ظاهرة التخلف التي طبعت العهد العثماني بل العالم الإسلامي كله عندئذ. ولقد استمر الأهالي أيضا في إقامة الشعائر الدينية وفي الحفاط على العقيدة الإسلامية بالدفاع عنها عسكريا (الجهاد) وفي بناء المساجد والأضرحة والزوايا، وفي تحبيس الأحباس التي تخدم هذه الأغراض، وفي دراسة التاريخ الإسلامي ورجاله. وكانوا بالطبع تحت تأثير العقائد الصوفية، كما كان قادتهم أنفسهم، سواء كانوا من أهل الحل والعقد (الحكام) أو من أهل الرأي والفتوى (العلماء). كما استمر الأهالي في تعليم أطفالهم العلوم المعروفة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وبنوا لذلك الكتاتيب والمدارس وغيرها من المؤسسات العلمية، وركزوا في تعليمهم على القرآن الكريم حفظا وتفسيرا وقراءات. كما أنتج أدباؤهم أدبا راقيا نسبيا، وأنتج فقهاؤهم فتاوي وأحكاما تتماشى والعصر الذي كانوا فيه. إن ظاهرة التخلب حينئذ كانت مشتركة بين الحكام والمحكومين، كما كانت عامة، فهي لا تتعلق بالجزائر فقط.
فهل بعد هذا يصح ما قاله أحد الكتاب من أن العهد التركي في الجزائر كان عبارة عن (بربرية ثقافية) أو أن الشعب قد قلد حكامه الأتراك في جهلهم وبعدهم عن العلم, والعلماء (١)؟ ولعل رأي السيد شو أقرب إلى الصواب عندما لاحظ، قبل فيرو بفترة طويلة، وهو يتحدث عن حالة العلوم والفنون في الجزائر في وقته، بأنها ما زالت عند المسلمين (كما كانت منذ مدة في حالة دنيا ... فالفلسفة والحساب والطبيعيات والطب التي كانت ملكا لهم خلال عدة قرون قد أصبحت الآن لا تكاد تعرف أو تدرس). وقد أرجع شو ذلك إلى عدم الاستقرار لدى العرب والمظالم التي كان يعانيها الحضر على يد الأتراك لأن الأمن والحرية والهدوء ضرورية للإنتاج الأدبي والفني الراقي.
وهذا النقص في نظره يعود إلى كون الأتراك في الجزائر لم يكونوا مهتمين إلا
(١) شارل فيرو مقدمة (كتاب العدواني) في مجلة (روكاي) ١٨٦٨، ٢.