للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتجارة والأمور المالية، بالإضافة إلى أن ميولهم الحربية وعدم الاستقرار السياسي تجعل مساهمتهم في الإنتاج الأدبي والفني غير مضمونة (١). ولكن شو كان يصف وضعا خاصا شاهده بل عاشه أثناء وجوده في الجزائر ولم يكن يدرس العصر عن بعد، كما نفعل نحن الآن. فرؤيته إذن شخصية رغم أن نتائجها صحيحة إلى حد بعيد. فالعثمانيون (أو الأتراك كما يسميهم) لم يوفروا الأمن والحرية والاستقرار الضرورية للإنتاج الفني والعلمي والأدبي، ولم يتخذوا تشجيع الأدباء والعلماء والفنانين سياسة لهم أثناء حكمهم باستثناء بعض الحالات المنعزلة. وقد كان الأدب والعلم والفن في العالم الإسلامي قبلهم وليد التشجيع الرسمي في معظم الأحوال.

ولكن العثمانيين كانوا يفتقرون إلى أشياء أساسية لكي يشجعوا الأدب والعلم والفن في الجزائر. وأول ذلك اللغة. ولقد كانت لغة الوجق العامة هي التركية. وهي لغة للحديث أكثر منها للكتابة. ولم تكن هناك أعمال أدبية هامة أنتجت بهذه اللغة إلى ذلك الحين. وكان كل المسؤولين يعرفون هذه اللغة أيضا أو على الأقل يتحدثون بها. وقد جعلوها لغة رسمية في الدواوين وفي المعاهدات وبعض السجلات (٢). ولا شك أن لغة الحضارة الإسلامية في وقتهم كانت هي اللغة العربية ولا نعرف أن الحكام العثمانيين كانوا يتقنون العربية العامية فما بالك بالعربية الأدبية (٣). فكيف تتوقع منهم تشجيع إنتاج بلغة لا يعرفونها ولا يتذوقونها؟ ومن جهة أخرى تتحدث الروايات وتتواتر على أن الحكام أنفسهم كانوا في أغلب الأحيان جهلة ومغامرين، بل كان


(١) شو، ط. ٢, ٣٥٣.
(٢) كان بعض علماء الأتراك في الجزائر يكتبون ويؤلفون باللغة التركية أيضا مثل الشيخ مصطفى خوجة إمام جامع خضر باشا الذي ألف عدة أعمال بالتركية منها (التبر المسبوك في جهاد غزاة الجزائر والملوك)، وهومن علماء القرن الثاني عشر (١٨ م).
(٣) لا بد أن نستثني من ذلك محمد الكبير باي معسكر والحاج أحمد باي قسنطينة (وكلاهما من أمهات جزائريات) ولعل محمد بكداش باشا وحسين خوجة الشريف باشا ويوسف باشا كانوا أيضا يحسنون العربية، انظر المراسلات العلمية الأدبية التي كانت بينهم وبين علماء الجزائر.

<<  <  ج: ص:  >  >>