بعضهم مرتدا عن دينه الأصلي وحديث عهد بالإسلام، فكان حتى بعد توليه يتحدث أحيانا لغته الأصلية، وهي ليست تركية ولا عربية. وبالإضافة إلى ذلك فإن العثمانيين كانوا يشعرون، كما لاحظنا، بالغربة في الجزائر، رغم كونهم مسلمين ومدافعين عن الإسلام. وهذا الشعور قد جعلهم مبتعدين عن الأهالي غير منتمين إليهم ولا مندمجين فيهم. وهذا العامل هو الذي لم يشجع على إيجاد إحساس أدبي وفني مشترك، رغم وجود إحساس روحي ومصيري مشترك، كما لاحظنا أيضا. وإذا كان الإحساس الروحي قد استفاد منه الدين فإن الإحساس الأدبي قد خسرت منه اللغة والإنتاج الثقافي عامة.
ومع ذلك فقد وجدنا في العهد العثماني تراثا أدبيا وفنيا وعلميا في مستوى طيب استحق منا العناية والدرس في هذا الكتاب. ولكن يجب أن نلاحظ من الآن أن هذا الإنتاج بأنواعه كان خارج نطاق الحكم، فأصحابه لم يجدوا التبني ولا التشجيع من الحكام العثمانيين. وقد أنتج الجزائريون خلال هذا العهد أدبا راقيا نسبيا، شعرا ونثرا، تناولوا فيه شتى الأغراض المتداولة عندئذ. وكانت آفة هذا الأدب أن أصحابه لم يكونوا مستقرين في الجزائر. ذلك أن أكثر الأدباء والمثقفين (الأحرار) أو غير الموظفين قد هاجروا من بلادهم. وقد غلب الشعر السياسي على جميع أنوع الشعر الأخرى، ما عدا الشعر الديني، وذلك يعود بالدرجة الأولى إلى استمرار الجهاد بين الجزائر وجاراتها من الشمال. وشاع النثر الفني في الرسائل الإخوانية والرسمية وفي وصف الرياض ونحوها (١). وقلما توجهت عناية علماء الجزائر إلى علوم اللغة، باستثناء النحو، وكان غياب مؤسسة للتعليم العالي قد جعل الأدب الجزائري عندئذ يفتقر إلى وحدة الأسلوب ووحدة التوجيه. ذلك أن مصادر التأثير على الأدب، كانت في أغلبها من خارج الجزائر لأن معظم العلماء قد تكون، في سنوات النضج، في المعاهد الإسلامية الأخرى، ولكن قلما نجد
(١) انظر فصلي الأدب (النثر والشعر) في الجزء الثاني.