للفرنسيين، وبالتدرج رأى أن سلطة القاضي وصلاحياته قد أخذت منه ومن غيره وأعطيت للقاضي الفرنسي، فهم بالهجرة وترك الوظيف، ويبدو أن الشرقي قد هاجر إلى مكة والمدينة، لأن من ذكره قال إنه رفض الهجرة إلى الشام، حيث الأمير عبد القادر، قائلا: سأهاجر إلى من يشفع فينا معا، ويعني بذلك الرسول (صلى الله عليه وسلم). ولا ندري هل هاجر فعلا، ويقال إن الأمير سر عندما بلغه ذلك عنه (١). ونحن هنا أمام نموذج من القضاة الذين تأثروا بنزع السيادة عن القضاء الإسلامي.
٤ - علي بن الحاج موسى: وهو من عائلة علمية قديمة في العاصمة، كانت أيضا تشتغل بالشؤون الدينية، ومنها القضاء، أبوه هو أحمد بن الحاج موسى الذي وجدنا اسمه يتكرر في مراسلات بعض المفتين مع السلطات الفرنسية في منتصف القرن الماضي، ولد الشيخ علي سنة ١٨٣٣، وتثقف على بقايا الشيوخ أمثال مصطفى الحرار، وعاصر حسن بريهمات والعمالي والحفاف، وتولى القضاء للفرنسيين في عدة مراكز منها مليانة وتلمسان وتنس، وكان ذلك خلال الستينات، وهو عهد المملكة العربية، حين كان للقاضي بعض الصلاحيات، ولكننا رأينا أن قانون ١٨٦٦ قد مس أيضا هذه الصلاحيات، ولا ندري إن كان ذلك وراء استقالته من القضاء وتفرغه للعبادة والتأليف، فقد كان الرجل أميل إلى التصوف منه إلى القضاء، وله تأليف سماه (ربح التجارة) في سيرة الشيخ أحمد بن يوسف الملياني، وربما ألفه وهو قاض بمليانة، وتولى بعد تفرغه من القضاء وكالة ضريح الشيخ الثعالبي، وقد ذكره محمد بيرم في رحلته (صفوة الاعتبار). وكان يتراسل مع قاضي تلمسان شعيب بن علي ومع عبد الحي الكتاني في المغرب الأقصى وغيرهم، وله ولوع لالإجازات أخذا وعطاء، وقد توفي سنة ١٩١٣ عن ثمانين سنة، وتدل سيرته في القضاء على أن بعض القضاة كان لا يطاوعهم ضميرهم على العمل مع الفرنسيين مهما كان الثمن، وسنعرض لحياته العلمية في غير هذا.