للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلامي في المحاكم، والغزو الثقافي العام، أدركنا إلى أي مدى تخلفت الدراسات الفقهية في الجزائر بحلول القرن الحالي.

وقد كان في إمكان الإدارة الفرنسية السعي إلى تدوين الفقه الإسلامي وأحكامه في وقت مبكر، أي قبل الاعتداء على الشريعة الإسلامية وانتزاع كل أنواع المعاملات والجنايات من أيدي القضاة المسلمين، وكانت الدولة العثمانية فعلت ذلك خلال القرن الماضي، وكذلك تونس (١) ومصر، دون ضجة كبيرة ودون أن تتأثر مسيرة تطبيق القوانين الشرعية، ولكن الفرنسيين لم يشرعوا في العمل على تدوين الفقه الإسلامي إلا حوالي ١٩٠٤ - ١٩٠٥، أي حين قرروا فصل الدين عن الدولة في بلادهم وحين لم يبق للقضاة المسلمين غير صلاحية الحكم في النكاح والطلاق، وقد صدقت (مجلة العالم الإسلامي) (٢) حين انتقدت بشدة هذه الخطوة التي جاءت متأخرة، بل جاءت بعد سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى مسخ الإسلام في الجزائر وجعله (إسلاما فرنسيا) على مقاس المستوطين والحكام، وقد ثبت أن نية علماء الاستعمار الفرنسي لم تكن تقريب المذاهب الإسلامية وتفادي الخلافات وإنما كانت نيتهم هي دمج ما بقي من اختصاص المحاكم الإسلامية في القانون الفرنسي، ونحن نعلم أنه في هذه الفترة كثر الحديث عن الزواج المختلط والدمج الحضاري عن طريقه وعن طريق المدرسة والتشريعات، ويظهر أن فكرة تدوين الفقه غير جديدة، فقد نوقشت منذ ١٨٦٥، ثم في أوقات مختلفة بعد ذلك، ولكن المكي بن باديس قد استبعدها (٣).


(١) عن تدوين الفقه التجاري والجنائي في تونس انظر مجلة العالم الإسلامي، ابريل، ١٩١١ ص ١٧٠ - ١٧٨، ويرجع تاريخ المحاولة إلى ١٨٩٦، وقد ابتدأت لجنة التدوين في تونس بالأحكام المذكورة، اما الأحوال الشخصية والملكية العقارية فقد أجلتها إلى ١٩١٠.
(٢) R.M.M، سبتمبر ١٩١٠، ص ٧٩ - ٨٠.
(٣) إيميل عمار (مشروع تدوين الشريعة الإسلامية) في (مجلة العالم الإسلامي) R.M.M، أكتوبر ١٩٠٨، ص ٣٦٢، عن محاضرة ألقاها أرنست رينان E.Renan في السوربون =

<<  <  ج: ص:  >  >>