سنة. ومع ذلك فإن الفرنسيين هم الذين يصفون المسلمين الجزائريين عندئذ بالتعصب!
ويقول أوميرا الذي كتب في عصر الليبرالية واللائكية والحياد إزاء الدين، إن الكاثوليك كانوا متحمسين لبعث (كنيسة إفريقية) تناسب التاريخ والمقام. وكانوا يريدون إنشاء كنيسة تستجيب لهذا الحماس. ولكنهم بدلا من ذلك أخذوا يهدمون جامع كتشاوة ويحولونه، بأسلوبهم، إلى كنيسة تناسب المقام والتاريخ اللذين يتصورونهما، فلم يبقوه جامعا على أصله ولم يبنوا كنيسة على ذوقهم. وقد أشرنا إلى الخلاف الذي جرى بين الفرنسيين حول تمويل الجامع الجديد أو جامع كتشاوة إلى كنيسة? كاتيدرالية. وما دام بعضهم يحث عن الفخامة والفن والتاريخ فقد وجد ذلك في جامع كتشاوة ولم يجده في الجامع الجديد. وكان الأثريون يرون الاقتصار على تحويل المسجد دون المساس به ليبقى أثرا أندلسيا - موريسكيا قائما للتاريخ. ولكن رجال الكنيسة لم يكن يرضيهم ذلك فدمروا الجامع تدميرا بأسلوبهم وجردوه من فنه المعماري وطرازه المحلي الإسلامي، وبقيت عملية التدمير حوالي ربع قرن، لكن عملية التحويل الأول كانت سنة ١٨٣٨، أي منذ جاء الأسقف دوبوش Dupuch ووافق البابا في رومة على فتح أسقفية في الجزائر.
واسم كتشاوة (أيضا كجاوة) ليس هو اسم باني الجامع ولا مجدده، وإنما هو اسم للمكان الذي بني عليه. وكانت أوقافه تحت يد (سبل الخيرات) باعتباره من الجوامع الحنفية (١)، ومنها مجموعة من العقارات. وكان جامع كتشاوة من أكبر المساجد بالعاصمة، وكان له خطيب ومدرسون، وموظفون آخرون. وكان يقع في شارع الديوان. وقد وصفت قبته بالفخامة ومحرابه بالجمال، وكانت بيت الصلاة فيه مربعة ومحاطة بالعرصات المرمرية المدورة، وكان مزينا بالكتابات الدينية والزخارف من
(١) وصفه ورسمه السيد رفوازييه في سلسلة (الاكتشاف العلمي للجزائر)، ١٨٤٠ - ١٨٤٢. انظر فصل الاستشراق.