للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكون منارته الرشيقة كانت تعلو جميع المنازل. وهو المسجد الذي كان قد أمر ببنائه الباي محمد بن عثمان عندما كانت معسكر هي مقر حكمه، وتشير الكتابات إلى أن بانيه هو أحمد بن صارمشق التلمساني، سنة ١١٧٥ هـ. وكان الأوروبيون يعجبون بالجامع ويزورونه كمعلم سياحي. ولكن السلطات الفرنسية لم ترحم أيضا هذا الجامع الجميل والأثري، فقد حولته إلى مخزن لبيع الحبوب. وقد لمح ليكليرك إلى ذلك في قوله إن أهمية هذا الجامع وحالته تجعله محفوظا مسخرا لمصير آخر. ولا ندري ما المصير الآخر الذي كان ينتظر أجمل مساجد معسكر غير إقامة الشعائر فيه. وقد أضاف ليكليرك أن العامة تجهل وجود هذا الجامع (١). ولا شك أن كثرة الزوايا في معسكر ومن حولها تجعل المساجد أيضا متوفرة، لكن ليس لدينا أوصاف أو إحصاء بها.

وفي مازونة ثلاثة مساجد بدون صوامع، حسب إحصاء سنة ١٨٣٩ (٢). ولا ندري ماذا جرى لهذه المساجد بعد الاحتلال، هل حولت عن مقاصدها أيضا أو حول بعضها أو تركت لحالها وأهلها. والمعروف أن مازونة التي كانت عاصمة إقليمية بعض الوقت، في العهد العثماني الأول، كانت مدينة العلم والعلماء بنزول العديد من الأسر الأندلسية بها، ورسوخ أشرافها، وشهرة مدرستها، وقد ظل بصيص نورها يضيء أيضا رغم الظلمات أثناء الاحتلال الفرنسي (٣).

وحين احتل الفرنسيون مدينة مليانة سنة ١٨٤٠ لاحظوا أن سكانها أغنياء ومنازلها جميلة وفخمة، وأن فيها مصانع ومخازن تكفي لإيواء ستمائة ألف وجبة ومستشفى له ٣٥٠ مريض، وإن ثكنات المدينة ومنازلها المهجورة تكفي لاستقبال ٤,٦٠٠ أوروبي. أما عن مساجدها وزواياها فقال التقرير إن


(١) ليكليرك (الكتابات العربية في معسكر)، في المجلة الإفريقية، أكتوبر ١٨٥٩، ٤٢.
(٢) سجل (طابلو) سنة ١٨٣٩، ص ٢٨٣.
(٣) تحدثنا عنها في الجزء الأول من التاريخ الثقافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>