على ما بقي من مداخيل المسلمين وكاد ينفيها تماما، ولعل ذلك راجع إلى أن الفرنسيين كانوا يتصرفون وحدهم في الميدان، ولم يكن للمسلمين معهم صوت ولا رأي، حتى في الشؤون الخاصة بهم جدا كالأوقاف.
فبعد بضعة أشهر من صدور مرسوم ١٨٥٧ حدث تعديل جذري في هيكله الإدارة الفرنسية في الجزائر، وهو ما يعرف بإنشاء وزارة الجزائر والمستعمرات وإلغاء منصب الحاكم العام، وقد تبع ذلك تعديلات وتغييرات في الأجهزة التابعة، كإدارة الولايات والقيادات العسكرية والمسؤوليات المدنية. ومن ذلك إنشاء مجلس عام على رأس كل ولاية من الولايات الثلاث، وإحلال الميزانية الولائية محل الميزانية المحلية والبلدية السابقتين. أما بالنسبة للمكتب الخيري فلم يتغير لا في اسمه ولا ميزانيته ولا تبعيته للولاية. ولكن الجديد هو أن مرسوم ١٠ ديسمبر ١٨٥٨ فرض على الولايات تخصيص مصاريف للمساعدات العامة وخدمات الأهالي (المسلمين) المدنية، على أن تقدم مصلحة أملاك الدولة لصالح الولايات مداخيل الوقف القديم من بيع وشراء وإيجار، باعتبار الولايات هي المتوكلة على الأوقاف، ولا تعتبر المداخيل في هذه الحالة مساعدة للولايات.
وبناء على ذلك فإن الولاية أصبحت هي التي تنوب عن الدولة في تخصيص المبلغ المستحق (الميزانية) ومنحه للمكتب الخيري لصرفه في الأوجه المحددة بمرسوم سنة ١٨٥٧. لكن مرسوم ١٨٥٨ أدى إلى تناقص ميزانية المكتب بدل زيادتها. وقد تواصل النقص سنة بعد سنة إلى سنة ١٨٦٩ حين لم تتجاوز الميزانية ٢٣,٠٠٠ ف. (من ١١٣، ٥١٠ ف.) وكان من المفروض أن مصاريف المكتب الخيري لا تنقص إن لم تزد. وقد استمر ذلك الوضع المضطرب إلى ١٨٧٢ (١). وهكذا وقع التلاعب الإداري بأموال
(١) أوميرا (المكتب الخيري ..)، المجلة الإفريقية، ١٩٠٠، ٦٠ - ٦٥. لقد فسر والي الجزائر النقص في ميزانية المكتب الخيري بانخفاض المداخيل بسبب عدم بنايات الوقف. وهو عذر أقبح من ذنب. وقد مر بنا أن بعض الأوروبيين، في عهد الجمهورية الثالثة، قد استكثروا على المسلمين ذلك المبلغ الزهيد وطالبوا بمصاريف =