الأغواطي. وقد مر بنا أن معظم شيوخ الجزائر كانوا ينخرطون في الطرق الصوفية لحماية أنفسهم، لأن من لا شيخ له لا حماية له من سوط الإرهاب الاستعماري. ولم يكن انضمام بعضهم لها عن عقيدة راسخة فيها وإنما عن تقية. والله هو علام الغيوب!.
توفي عمر بن قدور مبكرا- عن ٤٤ أو ٤٦ سنة فقط (١). وكان ذلك في وقت وجدت الجزائر فيه نفسها على يد الأمير خالد وابن باديس وأنصارهما. وكان يمكن لابن قدور أن يلعب دوره ضمن المدرسة الإصلاحية التي دعا إليها من قبل، وأن يؤلف الجماعة التي كان يحلم بها - جماعة التعاون الإسلامي على مستوى مفكري المغرب العربي - ولكن شيئا ما أصاب الرجل. هل هو خيبة الأمال؟ هل خضع لترويض خاص، على حد تعبير صالح خرفي؟ أو هل هناك عوامل أخرى جعلته يخمد بعد نشاط ويعود إلى الحرم الذي عاد إليه محمد العيد أيضا بعد عقدين؟ إن وراء مصير كل واحد قدرا يسيره. ويبدو أن مصير عمر بن قدور في الإصلاح والاهتمام بالنهضة ورفض الصهيونية والاستعمار قد توقف سنة ١٩١٥ ليبدأ مصير آخر، وهو ليس بدعا في ذلك. ولنعتبر بمصير الأمير خالد نفسه والطيب العقبي ومصالي الحاج ... والعبرة بما كان يتلجلج في الصدور وليس بما تبوح به الألسنة والأقلام.
ونريد أن نضيف هامشا لحياة عمر بن قدور لم نر أحدا قد أشار إليه، وهو أنه، حسب أحمد الأكحل، المعاصر له وزميله في الدراسة ربما كان قد تولى مدرسة (الشبيبة الإسلامية) بالعاصمة، التي تأسست في أول العشرينات، كما عرفنا. وهي مدرسة كونها المحسنون ورضيت عنها الإدارة الفرنسية واعترفت بها وكانت مهمتها هي تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي للأطفال الجزائريين. والغريب أن الذي تولاها بعده هو الشاعر محمد العيد المنتمي أيضا للطريقة التجانية. فهل كانت هذه المدرسة توليفة فرنسية -
(١) توفي سنة ١٩٣٠ عند محمد الصالح الجابري، و ١٩٣٢ عند صالح خرفي. مجلة (الحياة الثقافية)، مرجع سابق، ص ١٦.