وقل مثل ذلك في المدن التي استولى عليها الفرنسيون. وقد جرت العادة أن الجزائريين يخرجون من المدينة إذا أحسوا بهجوم العدو، وكانوا يحملون معهم كل غال ونفيس، ومن ذلك كتبهم. ولكنها لم تكن دائما عملية ناجحة. فقد يفاجئهم العدو فلا يحملون إلا ما خف، فيستولي العدو على ما وجده ومنه الكتب، كما حدث في معسكر سنة ١٨٣٥، وفي تلمسان سنة ١٨٣٦. ويقول بيربروجر إن الفرنسيين وجدوا عقود أملاك عائلة الأمير، وحين أطلع بيربروجر الأمير على ذلك في مقابلة معه سنة ١٨٣٧ لم يكد الأمير يصدق القصة (١). وأثناء البحث عن الزمالة كان الفرنسيون يستدلون عليها بأوراق الكتب والوثائق التي كانت تذروها الرياح وترمي بها في الأشجار. وكان بيربروجر وغيره صرحاء جدا حين أكدوا، وهم يحسبون أن التاريخ قد طوى تماما ولن يكشف عن أسراره، أن الضباط كانوا يشعلون غلايينهم بأوراق الوثائق في قصبة الجزائر سنة ١٨٣٠، وأن الجنود كانوا يحسبون كل كتابة عربية قرآنا، فكانوا يحرقون الأوراق وما هي إلا وثائق ثمينة. ومع ذلك يتحدث الفرنسيون طويلا عن حرق العرب المسلمين لمكتبة الاسكندرية وينسون أنفسهم.
أما احتلال مدينة قسنطينة واحتلال معسكر وتلمسان وغيرها فكان له نصيب آخر من نهب الكتب. وقد روى بيربروجر شيئا من التفصيل عن ذلك سنعود إليه بعد قليل.
والحرب التي جرت في الأرياف أدت أيضا إلى إتلاف المكتبات ولا سيما في الزوايا. وكانت هذه الزوايا تتوفر على مكتبات للطلبة وأهل العلم. وهي الأمكنة التي بقيت للطلبة بعد احتلال المدن واختفاء التعليم ومصادرة المساجد والزوايا بها. فإذا بالحرب تمتد إلى هذه المدارس الخلفية (الزوايا)، وتمتد معها يد النهب والسلب لما تملكه من مخطوطات. وكان
(١) انظر مقابلة الأمير في معسكره، بالبويرة، لبيربروجر، ديسمبر، سنة ١٨٣٧. وقد ترجمنا هذه الرحلة (المقابلة) وقدمناها للنشر.