ذلك هو مصير المكتبات في زوايا منطقة الشلف والبابور وزواوة والأوراس والحضنة والونشريس. ثم أدت ثورات أولاد سيدي الشيخ، وشريف ورقلة واحتلال ميزاب، وثورة بوشوشة، وبو عمامة، إلى بعثرة الكتب. وحكى لنا من عاش انتفاضة ٨ مايو ١٩٤٥، كيف مزقت الكتب ورميت للرياح. وأصبح معروفا عند الجميع أن الجزائريين كانوا أيام ثورة التحرير الكبرى، يحفرون لكتبهم الباقية ووثائقهم العائلية في الأرض ويدفنونها، خوفا منها، لأن الفرنسيين إذا وجدوها عندهم سيتهمونهم بالعمل المعادي ويعتبرونها وثائق سياسية، ثم خوفا عليها، لأن العدو إذا وجدها سيحرقها أمام أعينهم، كما حدث عدة مرات. وكان أولئك الجزائريون يظنون أن الحرب لن تطول أو أن الأرض سترحم الكتب، ولكن الثورة قد طالت والأرض لم ترحمها إذ عندما فتحت المطامير التي وضعت فيها وجدت الكتب وقد تلفت من الرطوبة وأصبحت عجينا عند البعض أو ممحاة لا أثر للكتابة عليها. وكثير من الجزائريين نسوا أين دفنوا كتبهم كما أن بعض الذين دفنوها استشهدوا أو ماتوا موتة طبيعية دون أن يعرف الأحياء ما فعل الأموات.
إن المهاجرين الجزائريين قد حملوا معهم أيضا. بعض كتبهم الثمينة بعد الاحتلال. فأولئك الذين خرجوا من دي رهم مراغمين أو اختاروا الهجرة على العيش تحت وطأة الأجنبي، كان معهم رصيدهم من المخطوطات القليلة أو الكثيرة. وقد حرمت منها العائلات الباقية والمدارس والتلاميذ. ابتداء من ابن العنابي الذي نفاه المارشال كلوزيل سنة ١٨٣٠، إلى حمدان خوجة الذي هرب بجلده من إرهاب دورفيقو إلى فرنسا نفسها ثم منها إلى اسطانبول سنة ١٨٣٦، إلى مصطفى الكبابطي الذي نفاه المارشال بوجو سنة ١٨٤٣ إلى جزيرة سانت مرغريت غير أن السلطات الفرنسية في مرسيليا سمحت له بالمنفى في مصر، ثم إلى القضاة والعلماء والضباط الذين توجهوا إلى المغرب الأقصى وتونس، ثم الحجاز. كل هؤلاء حملوا معهم ذكرياتهم وأدواتهم من الكتب (١).