الشرعيين من حقوقهم فيما ترك الآباء والأجداد، كان الجنود ينهبون المخطوطات فيعبثون بها أو يبيعونها بأبخس الأثمان، والضباط يأخذونها لأنفسهم أو يسلمونها لعلمائهم في شكل (هدايا)، وكان هؤلاء يجمعونها حيث يسيطر الفرنسيون على أنها غنائم حرب، ثم أخذوا ينقلونها إلى المكتبة الفرنسية في باريس بدعوى تبادلها مع كتب مطبوعة!.
روى بيربروجر (١) الذي رافق حملة كلوزيل على معسكر وتلمسان سنة ١٨٣٥ كيف استولى على المخطوطات والوثائق وكيف نقلها إلى الجزائر على ظهور الحيوانات. وقد روى بيربروجر ذلك بشيء من الأسف. والغريب أنه ادعى بالنسبة لمدينة معسكر أن العرب قد مزقوا المخطوطات قبل مغادرتهم المدينة ونشروا أوراقها. وكيف يحدث ذلك منهم وهي ثروتهم الثمينة؟ وقال إنه وأمثاله لم يستطيعوا سوى جمع أربعين مخطوطا كاملة وحملوها إلى العاصمة لتكون نواة المكتبة العمومية. ونوه بيربروجر بالضباط: لامورسيير وكوفيه وابراهيشا على فهمهم لدور المكتبة العمومية، وتوفير المخطوطات العربية لها. غير أنه لام الآخرين الذين وقعت المخطوطات الهامة بأيديهم ولكنهم فضلوا أن يبقوها في ملكهم الشخصي، ومن ثمة حكموا عليها بعدم النفع تقريبا. وهذا اعتراف صريح منه أن هناك فرنسيين اغتصبوا المخطوطات وأبقوها عندهم فحرموا منها مالكيها كما حرموا منها المكتبة العمومية.
ومن بين المخطوطات التي (عثروا) عليها في معسكر (سنة ١٨٣٥): (كريستوماتيا عربية) بخط جميل، ومعجم عربي، ومؤلفات في الفقه الإسلامي تتضمن أحكام البيع والشراء، وشرح عن الأحاديث النبوية (فتح الباري؟)، وغير ذلك من الكتب الدينية. بالإضافة إلى شروح في النحو العربي وتقاييد في التاريخ الطبيعي، وسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومصحفين. وذكر بيربروجر في شيء من التبجح أنهم عثروا في الفتحات التي تدخل منها
(١) عن حياته انظر فصل الاستشراق. وقد جاء به كلوزيل كموظف مدني وعهد إليه بالمكتبة والمتحف. فكتب عن الأثار وقام برحلات سرية وعلنية. حملته إلى مختلف مناطق الجزائر وتونس. وكان يعرف قليلا من العربية.