ظلت المكتبة في دار الحاج عمر (أو دار الآغا إبراهيم) بعد انتقالها من مبنى الكوليج (الثكنة القديمة). وكانت تظل على البحر ويضرب الماء أساسها من الجانبين. وكانت الدار المذكورة، كما قال بعضهم، تعتبر في حد ذاتها متحفا بعد أن كاد يختفي الطراز العربي الأندلسي الذي عمل فيه الفأس الفرنسي منذ الاحتلال. وأصبحت المكتبة، وهي في الدار الجديدة تضم أربع قاعات الأولى مخصصة للكتب المتعلقة بالتوحيد والفلسفة والخرائط الخ. والقاعة الثانية مخصصة للأرشيف وكتب التاريخ الطبيعي والفلك والرياضيات والفيزياء والطب الخ. والثالثة كانت تضم جناحين للمطالعة أحدهما للأوروبيين والثاني للجزائريين. ويتبع القاعة الأخيرة خلوة أو مكتب زجاجي ضخم وضعت فيه المخطوطات العربية، كما وضعت في الجناح الخاص بالمطالعين الأوروبيين مجموعة الكتب المتعلقة بالجزائر وتاريخها. وأصبحت المكتبة في نهاية ١٨٤٩ تضم حوالي ٥، ٥٠٠ كتاب مطبوع وخرائط الخ. وكانت كلها مصنفة إلى ثلاثة أصناف: ما يتعلق بالجزائر، وما يتعلق بالعلوم الأخلاقية (التاريخ، الفلسفة، الدين، الخ ...) وما يتعلق بالعلوم الفيزيائية (الرياضيات، الفلك، الخ ...).
وبالنسبة للمخطوطات العربية لاحظ أحد الكتاب ملاحظتين هامتين في نظرنا. الأولى هي قوله إن المخطوطات قد أصبحت (أكثر مما تحتاجه البلاد) وأن الأهالي جاعلون منها قضية كبيرة بينما الأوروبيون لا يستفيدون منها لأنهم لا يعرفون اللغة العربية، ولن يستفيدوا منها إلا إذا عرفوا هذه اللغة. هذه الملاحظة تجعلنا نفهم أن الجزائريين كانوا يترددون على المكتبة لمطالعة بعض المخطوطات، وهم يطلبونها بكثرة حتى لفت ذلك أنظار المصالح الفرنسية التي شعرت بالحاجة إلى منع الجزائريين من الإطلاع عليها، وذلك بتهريبها إلى فرنسا. وقد فهمنا ذلك من عبارة أن المخطوطات قد زادت على حاجة البلاد. وكيف تزيد الكتب عن الحاجة إذا لم تكن هناك نية سيئة إما منع الجزائريين منها رغم أنها ملكهم الشرعي، أو إخفاؤها عنهم بإعطائها إلى المستشرقين في فرنسا، لأن الفرنسيين في الجزائر لن يستفيدوا منها حتى يتعلموا اللغة العربية.