وإن خزانتهم في العهد الأخير (؟) كانت تشتمل على عدة آلآف من الأسفار الثمينة والنادرة في فنون شتى، وفيها ما يعد من الآثار المخطوطة في القرون الأولى، وأنها جمعت غالب الكتب التي كانت على ملك الشيخ مرتضى الزبيدي شارح القاموس ومحمد بيرم الخامس ... إلى أن قال كحول: ولصاحب الترجمة (أي محمد بن الحسن الفكون) شغف عظيم بجمع الكتب أيضا (١). ولعله كان على الشيخ كحول أن يقول ما قاله فانيان عن مكتبة الفكون، بل كان هو أولى من فانيان فى التحسر على ما آلت إليه المكتبة الى كان معاصرا لنهايتها، لو كان له قلب.
لا نستطيع أن ندعي بأن كل المكتبات القديمة، العائلية أو الخاصة قد وقع لها ما وقع لمكتبة الفكون. فنحن لا ندري ما حدث لمكتبة باشر تارزي في قسنطينة، ولا لمكتبة ابن العنابي في الجزائر، ولا مكتبة محمد بن سعد في تلمسان، وغيرهم كثير. وسوف لا نبحث في ذلك طويلا، وإنما نكتفي بالقول بأن هذا النوع من المكتبات لم يخف، وأن هناك عائلات أخرى ظهرت على الساحة وكانت تملك المخطوطات بدرجة متفاوتة، كما أنها لم تستفد منها استفادة من كانوا قبلها لضعف الدراسات العربية وغلبة الفرنسية في التعامل والتعبير، وقلة المجالات لاستعمال المخطوطات العربية أيضا، ومنها ما كان يعتبر تراثا مخطوطا. وقد كثر التباهي بالكتب في هذا العهد أكثر من الاستفادة منها في التدريس والتأليف، وكان بعضهم يزين بها دار الضياف وقاعة الجلوس، سيما المطبوعة والمجلدة بأناقة. أما المخطوطات والوثائق والتحف فقد كانت تحجب عن الأنظار وتبعد عن الزوار حتى لا تطمع نفوسهم فيها أو تمتد أيديهم إليها.
مكتبة الأمير عبد القادر: رغم انشغال الأمير بالحرب وعدم الاستقرار في عاصمة، فإنه كان يعرف قيمة الكتب التي احتوت عليها زاوية القيطنة والتي تعلم منها قبل الاحتلال. وكان والده محيي الدين أولا ثم أخوه محمد
(١) محمود كحول (التقويم الجزائري)، سنة ١٩١٣، ص ١٧٦.