الشاعرة، وضعف الثقافة الأدبية التي تهذب العاطفة وتساعد على توليد الأفكار وتقدم بدائل جديدة من لغة التراث. كما أن اللغة الفرنسية قد دخلت في الشعر الشعبي أيضا، فصرنا إذا قرأنا زجلا نجد فيه ألفاظا فرنسية تكثر أو تقل حسب الزمن الذي قيلت فيه وقرب صاحبها أو بعده من المراكز الفرنسية وتأثره بأهلها.
كما أن الرقص والغناء قد تأثرا بالعهد الجديد. فالحفلات والمناسبات قليلة، وكادت تنحصر في الاجتماعيات والدينيات. كان الغناء الديني مجالا واسعا لتطوير الأصوات وتطويعها سواء بالشعر القديم الفصيح أو الملحون. فانحصر أو كاد في الغناء الصوفي الذي يستعمل التوسل بالأولياء، واستقبال المشائخ، وشاع نوع من المدائح الدينية الغزلية - إذا صح التعبير - وهي تلك الأشعار التي يتخيل أصحابها الرسول شخصا محبوبا فينعتونه بأنواع من الألفاظ لا يستعملها إلا المحبون والعشاق. وهي أشعار تتناسب مع الأداء الصوتي الرخيم. أما الحفلات الإجتماعية فالرقص فيها للنساء، كما سنعرف. أما الرجال فلهم رقصات تسمى رقصات البارود والفروسية. وكل هذه التعابير (الغناء والرقص والشعر والموسيقى) قد اختلفت من منطقة إلى أخرى. ومن الصعب دراستها على أنها تمثل وحدة تعبيرية متميزة، ولكن لها مع ذلك قدر مشترك، وهو تلك الروح الشعبية العميقة التي أنتجتها عبقرية البيئة والإنسان.
في المدن، ولا سيما في العاصمة، كانت الحفلات تقام في المقاهي وفي خلوات خاصة طالما وصفها السواح والرحالة. وبعد الاحتلال استمرت هذه الأماكن في أداء مهمتها ولكن في شيء من الإنحلال الأخلاقي الذي يرضي الرغبات الجنسية ويجلب الشباب الأوروبي الغريب عن البلاد، وخصوصا العسكريين. وقد جيء بالنساء والولدان وآلات الطرب وأدخلت آلات جديدة للعزف وإحياء الليالي العابثة. والأوروبيون الذين حضروا مثل هذه الحفلات اعتبروها فنا جزائريا غريبا يستحق الوصف على أنه من بقايا ألف ليلة وليلة وحياة الشرق الغارق في التخلف والكسل، واعتبرها آخرون منهم فنا منحطا لا يليق بالأخلاق الكريمة، وهو خال من كل إبداع وسمو، وحكموا من خلال هذا الفن، استحقاق الشعب للاستعمار وفرض حضارة جديدة عليه. ولا