فإننا زرناكم فرأينا من صنعتكم شيئا ما بقي لنا أن نتعجوا (كذا) من شيء يده، ورأينا من ظرافتكم وحسن أخلاقكم ما أحببناكم به من قبل تقدم مخالطة معكم، فأنتم أهل للمدح، والسلام). وتبدو عبارات التكلفت وثقل الجملة واضحة في هذه الرسالة القصيرة. والظاهر أنها ليست من إنشاء الأمير. وهي بتاريخ فاتح محرم سنة ١٢٦٩ (١٨٥٢).
ولكن الرسالة السياسية التي نسبت إلى الأمير في هذه الأثناء هي الجديرة بالتوقف. فقد قيل إنه كتب تعهدا لنابليون بأن لا يدخل الجزائر بعد ذلك، وأن لا يحمل السلاح من جديد، وأنه عبر عن شكره لنابليون على إطلاق سراحه، بينما الملك لويس فيليب وعده بالحرية ولم يفعل. وأقسم الأمير إيمانا مغلظة على ذلك باعتباره مسلما، ملتزما وشريفا. كما عبر عن إعجابه بقوة فرنسا التي لا يقهرها إلا الله، قائلا إنه اتبع إرادة الله في حمل السلاح كما اتبعها في إلقائه.
وقد سارعت السلطات الفرنسية إلى استغلال هذه الرسالة لتوظيفها في الجزائر لتثبيط عزائم المقاومين، فطبعت نسخا منها بالعربية والبربرية بحروف عربية، وروجتها على أوسع نطاق وطبعتها في جريدة المبشر، ثم أعادت نشرها بعد ثلاث عشرة سنة عند اندلاع ثورة أولاد سيدي الشيخ (١٨٦٥). وكانت ھذه السلطات تذكر الجزائريين دائما بأن الأمير قد أصبح من (أصدقاء فرنسا) بعد أن حاربها طويلا. وهكذا فإن الرسالة (إذا صحت نسبتها كاملة إليه) التي كتبها الأمير اعترافا، بجميل نابليون الثالث في إطلاق سراحه، وذلك طبعا من المروءة والأخلاق الفاضلة، أصبحت وثيقة سياسية استعملتها السلطات الفرنسية لإطفاء نار الفتنة، حسب تعبيرهم، أي القضاء على المقاومة ضد الاستعمار. ولو عرف الأمير أن كلامه سيوظف على ذلك النحو لكان أكثر حذرا، وربما توقف عن كتابة تلك الرسالة التي أصبحت سلاحا في يد العدو. وفي غمرة الفرح بالحرية الفردية يبدو أن الأمير قد نسي قول المتنبي: