للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وإليك نص هذه الرسالة (١)، كما ورد في الوثائق الفرنسية: بعد الحمدلة والدعاء بالنصر لنابليون الثالث، قال الأمير مخاطبا له (إنه جاء إلى حضرتكم العلية بالله، يستكثر بخيركم، ويتمتع بالنظر إليكم. فإنك والله، أحب إليه من كل محبوب، وفعلتم معه الفعل الذي هو فوق قدره وما يستأهله (٢)، ولكن فعلكم على قدر همتكم وعلو مقامكم وكمال شرفكم. ولست، أعزكم الله، ممن يمدح بالباطل أو يخدع بالكذب، وأنكم أمنتم فيه وما صدقتم من شك في أمانته (٣)، وسرحتموه، وفعلتم من غير وعد، وغيركم وعد وما فعل (٤)، وهو أعطاكم عهد الله وميثاقه وعهود جميع الأنبياء والمرسلين، أنه لا يخالف أمانتكم فيه (٥)، ولا يخرج عن عهدكم، ولا ينسى فضلكم، ولا يرجع إلى قطر الجزائر أبدا، لأنه حين أوقفه الله تعالى وقف وضرب البارود على قدر ما قدر، وحين أراد الله جلوسه جلس ورضى بقضاء الله، وسملت في الملك وجئتكم (٦)، وديني وشرفي يأمرانني بالوفاء بالعهد وعدم الغدر، وأنا شريف لا نرضى أن ينسبني الناس إلى الغدر. وكيف يكون ذلك وقد رأيت من إحسانكم وفضلكم ما نعجز عن شكره. الإحسان إلى الأحرار سلسلة في رقابهم تقودهم إلى محبة المحسن. وقد شاهدت من


(١) الرسالة بتاريخ منتصف محرم ١٢٦٩ (١٨٥٢). مخطوط المكتبة الوطنية - باريس، رقم ٧١٢٣ عربي، ص ٩٦ - ٩٧.
(٢) تعبير عن التواضع، وقد كان شائعا بين أهل العلم والأدب عندئذ، ولعله ما يزال.
(٣) إشارة إلى من كان يقول بعدم تسريح الأمير خشية من عودته إلى حرب الفرنسيين.
(٤) تلميح بالسلطات الفرنسية السابقة لنابليون التي وعدت الأمير بتركه حرا يختار منفاه. ومنهم لامورسيير الذي وعد الأمير بذلك، ولما صار وزير الحرب (١٨٤٨) رفض إطلاق سراحه.
(٥) هذا هو القيد الذي وضعه الأمير حول عنقه، ومع ذلك خاطبه البعض بعد سقوط نابليون باعتبار التعهد كان شخصيا وليس للدولة الفرنسية. ولعل ذلك هو سر الموقف سنة ١٨٧٠ حين جاء ابنه محيي الدين لتثوير الجزائر.
(٦) لاحظ تغيير الضمائر، من الغائب إلى المتكلم المفرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>