للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشركة لفائدة بلادهم (١). ولكن قناة قابس ظلت مشروعا على الورق فقط.

إن الذين يحكمون على ظواهر الأمور رأوا أن الأمير لم يدخل في السياسة منذ غادر الجزائر، آخر سنة ١٨٤٧. ورأوا أنه ظل على عهده بعدم الرجوع إليها أو حتى محاولة ذلك. وقد رأينا أنه رفض التداخل في السياسة العربية أيضا، أو بالأحرى رفض أن يكون مطية في يد الفرنسيين وغيرهم ضد الدولة العثمانية. وعدل عن الإقامة في مصر في أرض (أبو بلح) التي قدمتها له شركة قناة السويس حتى لا يغضب الخديوي إسماعيل وحكومة مصر. ومنذ سقوط نابليون لم يزر الأمير فرنسا، على ما نعرف، وقد عاش أكثر من عشر سنوات بعد ذلك، لأن زيارته لها كانت زيارة شخصية لنابليون وليست، في نظره، سياسية (٢). وحين تنصل من دخول ابنه محيي الدين إلى الجزائر سنة ١٨٧٠ - ١٨٧١، وهو الموقف الذي ما يزال غامضا عند كثير من المؤرخين، لم يفعل ذلك فيما يبدو إرضاء لأية جهة وإنما فعله مناورة فقط، لأنه لا سبيل إلى غيرها عندئذ، ولأنه كان يعرف أن فرص النجاح غير متوفرة. وقد رأيناه يتدخل لدى وزراء تونس من أجل المقرانيين وأنصارهم الذين فروا إلى تونس بعد ثورة ١٨٧١. كما رأيناه يتدخل لإطلاق سراح بطل القوقاز شامل الداغستاني لدى قيصر روسيا.

فهل صحيح أن الأمير قد تخلى عن السياسة ولم يعد يفكر في الجزائر وشعبها بعد هزيمته وسجنه؟ إنه من العبث أن يعتقد المرء ذلك. فالأمير الذي قضى سبع عشرة سنة حاملا السلاح من أجل دينه وشعبه وقضيته لا يمكن أن ينسى كل ذلك لمجرد أنه أصبح خارج الحدود أو أنه وعد نابليون بعدم دخول الجزائر. وقد رأينا أنه لم يتعهد بعدم رفع السلاح، كما زعمت الدعاية الفرنسية، ولم تخرج من فمه أو قلمه عبارة أنه (صديق فرنسا) وإنما هي


(١) كتب دي ليسيبس كتابا سماه (ذكريات أربعين سنة) زعم فيه أنه كان صديقا للأمير طيلة ٣٥ سنة (١٨٤٨ - ١٨٨٣).
(٢) كما لا نعرف أن الأمير زار مصر بعد ١٨٦٩، والمعروف أن الأفغاني كان في مصر خلال معظم السبعينات.

<<  <  ج: ص:  >  >>