مكانته الأدبية، غير مهم لأنه مز بالجزائر مر السحاب (١)، فإن دور محمد عبده ومحمد فريد وجاويش كان ذا قيمة كبيرة. وقبل أن نذكر دور الشيخ محمد عبده نقول كلمة مختصرة عن الباقين.
وكان محمد فريد هو خليفة مصطفى كامل في رئاسة الحزب الوطني المصري، وقد زار الجزائر عدة مرات. أولها سنة ١٩٠١، وكانت سنة حرجة في تاريخ البلاد، إذ كانت الإدارة الفرنسية تحاول تجربة التمثيل النيابي المحلي (الوفود المالية)، ومحاربة سياسة الجامعة الإسلامية. وكان محمد فريد من خريجي الجامعات الفرنسية وعارفا بأحوال أوروبا، بما فيها الأندلس. ولما نزل وهران لاحظ (فرنسة) الجزائر ومضايقة السلطات الفرنسية له، ثم استقبله مدير الشؤون الأهلية، دومينيك لوسياني، وهو من المستعربين المعروفين، كما استقبله شعيب بن عبد الله الجليلي قاضي تلمسان، والمستشرق موليراس، وبعض الضباط. وحين انتقل إلى مدينة الجزائر وجد صعوبات أخرى تمثلت في عرقلة مراسلاته.
وقد انتقد محمد فريد الإدارة الفرنسية على كبت الأهالي، فهم غير أحرار في السفر ولا يغادرون بلادهم إلا برخصة، وحرية الصحافة وحرية الاجتماع مفقودة عندهم (يشير بذلك إلى قانون الأهالي البغيض). والتعليم موجه لفرنستهم وإحلال الفرنسية محل العربية، وتحسر الزعيم المصري على نجاح سياسة الاندماج الفرنسية إلى حد كبير حين رأى لباس المسلمين متأثرا بلباس الأوروبيين، والزواج من الفرنسيات منتشرا، وتربية أولاد المسلمين في أوساط مسيحية، وعلم أن ابنة أحد الأعيان المتأثرين بالفرنسة قد تزوجت في الكنيسة. ولاحظ محمد فريد أن الحياة العربية والاسلامية تختفي في الجزائر، فمن المدن لم تبق إلا تلمسان متميزة بطابعها العربي، وليس في وهران كلها سوى مسجد واحد، ورغم أن
(١) انتقد الشيخ عبد الحميد بن باديس مقولة شوقي ان الجزائريين يستعملون الفرنسية لأن ماسحي الأحذية في مدينة الجزائر لا يعرفون العربية. وأما الشيخ الإبراهيمي فقد كان من المعجبين كثيرا بشوقي وشعره. انظر أثار الشيخ الإبراهيمي، ج ٥.