بالغش في الحسابات المصرفية، وأما لاسكاز فقد أعلن لافيجري سنة ١٨٧٢ أنه أصبح مجنونا، وحصل منه على رسالة استقالة.
انطلق شارل لافيجري في مشروعه التنصيري - الاستعماري الضخم تسانده البابوية والجمعيات التي يسمونها الخيرية، وكذلك السلطات التي كانت تتغاضى عنه وتحميه وتقدم إليه المساعدات المادية والمعنوية، ولا سيما بعد حرب ١٨٧٠. فقد أنشأ لافيجري (مؤسسة القديس اوغسطين لبعث الدين المسيحي). وكان الهدف منها نشر النصرانية بين المسلمين. وقد جاءه تأييد من البابا على ذلك، فنشر لافيجري رسالة بحروف بارزة ووزعها على الفروع في الولايات الجزائرية الثلاث. اعتقد لافيجري العقيدة التي بدأت تظهر خلال الستينات على يد الدكتور وارنييه وجماعته، وهي أن زواوة خير هدف للتنصير، لأن أهلها في نظره، كانوا رقيقي الدين ومن السهل حينئذ أن يتخلوا عن الاسلام ويعتنقوا النصرانية. وادعى لافيجري أنه اتصل برسائل من (جماعات) هناك يطالبون فيها بإنشاء المدارس الدينية في ناحيتهم (١). وكان هؤلاء، كما قال ايمريت، إنما يطالبون بمدارس فرنسية للتعليم العام، وكانوا مستعدين لدفع نفقاتها. لكن لافيجري أنشأ في قرية (الواضية) مدرسة دينية. وطلب لها المعلمين والموظفين من مؤسسة مدارس الشرق Oevres des Ecoles D'orient التي شارك في تأسيسها قبل تعيينه في الجزائر.
وبناء على ذلك رجع الأب كروزا إلى نشاطه في زواوة، واستقر في برج نابليون. وقام في يونيو (جوان) ١٨٦٨ بتوزيع المواد الغذائية والملابس والأدوية على الأهالي هناك، وظن أنه استولى بذلك على قلوب الناس وحاز ثقتهم. فأخذ يحدثهم في شؤون الدين المسيحي، لكنهم كانوا، كما يقول ايمريت، يأخذون منه ويضحكون عليه وعلى سذاجته. ولما أحس ببعض الرضى منهم رأى أن قبيلة بني فرح مستعدة لاعتناق النصرانية، فطلب منها أن
(١) الجماعة مصطلح محلي يعني كبار القرية أو الأعيان الذين يقومون مقام المجلس البلدي.