إلى مكة المكرمة إلى الاحتلال الفرنسي. وإظهارا للتناقض الصارخ كان أحمد الفكون من أوائل من منحتهم فرنسا جنسيتها بعد إنشائها، سنة ١٨٦٦.
ولد أحمد الفكون في قسنطينة في ١٢ فبراير ١٨٢٩. وكان عمره ثماني سنوات عند احتلال مدينته المروع الذي تهدمت فيه الدور وطارت فيه الرؤوس وسقطت خلاله العشرات في مهاوي وادي الرمال. وكان جده محمد الفكون، شيخا للإسلام في البلاد وحامي حمى المدينة، وكان طاعنا في السن حتى حمل على كرسي لمقابلة المارشال فاليه عند كدية عاتي. وجلبا للسكان وتسكينا للخواطر واتباعا للسياسة الماهرة، عين فاليه حمودة الفكون بن شيخ الإسلام، شيخا للمدينة. وكان طبعا تعيينا مؤقتا حتى يسيطر الفرنسيون على مقاليد البلاد وتهدأ الخواطر، كما قلنا. فمن هو الطفل أحمد الفكون؟ هل هو ابن حمودة؟ أو هو فقط من العائلة؟.
تعلم أحمد على مشائخ المدينة على الطريقة القديمة، وكان أمثاله في سنه يحفظون القرآن ويعرفون مبادئ العلوم والدين. ثم يتحلقون حول دروس المساجد ويطالعون الكتب، وقد يسافرون إلى الزوايا البعيدة أو يذهبون إلى جامع الزيتونة لاستكمال الدراسة. ونحن لا نعرف كيف أكمل أحمد هذه الدورة التعليمية ولا كيف تعلم اللغة الفرنسية. والغالب على الظن أن أهله قد أدخلوه إلى المدرسة العربية - الفرنسية التي أنشئت منذ ١٨٥٠. ولعله حضر دروس المستشرق شيربونو في الفرنسية، ومهما كان الأمر فإن لغته العربية كانت أقوى من الفرنسية، وتدل على ذلك ترجماته. ومن حيث الوظيفة نعرف أن أحمد الفكون أصبح مترجما عسكريا، وهي وظيفة يدخلها أصحابها بمسابقة ويتدرجون فيها بين ثلاث طبقات. ولكن يبقون، كمسلمين، مترجمين احتياطيين فقط. ولا ندري ما الذي حمل أحمد الفكون على طلب الجنسية الفرنسية سنة ١٨٦٦، هل يرجع ذلك إلى عدم تقديره لخطورة التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية والدخول تحت طائلة القانون الفرنسي؟ أو يرجع إلى عوامل أخرى نجهلها كالزواج المختلط أو الخلاف العائلي؟.